إحاطة من الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا السيد ايان مارتن - اجتماع مجلس الأمن 18 تموز/يوليو 2012

27 Aug 2012

إحاطة من الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا السيد ايان مارتن - اجتماع مجلس الأمن 18 تموز/يوليو 2012

السيد الرئيس،
عندما قدمت للمجلس إحاطة إعلامية للمرة الأولى بعد إعلان تحرير ليبيا في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قلت إن شعبها قد يسعى إلى تلقّي الدروس منا عن تفاصيل الديمقراطية، إنما بإمكانه أن يقدم دروسا تتعلق بروحها. في 7 تموز/يوليه، تم إظهار تلك الروح بطريقة كان لها تأثير عميق في نفوس جميع المراقبين. فالرجال والنساء والصغار والكبار من الليبيين، وقفوا في طوابير الانتظار للإدلاء بأصواتهم ومن ثم كشفوا عن أصابعهم التي يعلوها الحبر باعتزاز وفخر كونهم الشعب الذي حرم طويلاً من الحريات الديمقراطية، والعديد من أسره عانى وضحى بأحباء له في سبيل الحق الذي تمكن من ممارسته في نهاية المطاف.

وحيثما العنف هدد الانتخابات، وقف الناخبون أنفسهم بعزم وشجاعة لمقاومته بنجاح.

انطلاقا من ندرة الخبرة الانتخابية الكاملة والجدول الزمني الكثير التطلب، كان تنظيم الانتخابات إنجازا رائعا. فقد شارك فيها ما مجموعه 2501 من المرشحين، بمن فيهم 84 امرأة، كأفراد في سباق الأغلبية، بينما تنافس 1207 مرشحين، بمن فيهم 545 امرأة، في سباق التمثيل النسبي على قوائم الكيانات السياسية. ولقد مضت الحملة الانتخابية بسلاسة، مع عدم حصول مشاكل بين المرشحين أو أنصارهم، وكانت الشكاوى المتعلقة بسوء السلوك قليلة، وسارت الانتخابات بروح من حسن النية في ما بين الكيانات السياسية، والتقيد بمدونة طوعية لقواعد السلوك التي ساعدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على تيسيرها.

بيد أن الفترة المفضية إلى الانتخابات شابتها حوادث عنيفة، تركز معظمها في شرق البلد، كما تم طرح عدد من المظالم – أساسا توزيع المقاعد-كمبرر للسعي إلى عرقلة الانتخابات. وشملت الجهود المبذولة لتخريب التحضيرات الانتخابية حريقا أتى على بطاقات الاقتراع ل46 من مراكز الاقتراع قبل يومين من موعد الانتخابات، وعشية الانتخابات أطلقت النار على مروحية كانت تنقل مواد انتخابية، مما أسفر عن مصرع مسؤول انتخابي واحد. وواجهت المواد التي كانت في طريقها إلى مراكز الاقتراع حواجز على الطرق.

ولكن وقفت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات وموظفوها المتفانون في مواجهة مثل هذه التحديات. فبطاقات الاقتراع تم طبعها من جديد في اليوم نفسه في إطار عقد الأمم المتحدة ونقلت جوا من دبي. ومراكز الاقتراع التي لم تتمكن من فتح أبوابها في الوقت المحدد ظلت مفتوحة إلى وقت متأخر أو فتحت أبوابها في اليوم التالي. والهجمات على مراكز الاقتراع في يوم الانتخابات – لا سيما في بنغازي- فشلت في وقف عملية الانتخاب. وإصرار الليبيين على ممارسة حقهم في التصويت الذي حصلوا عليه بشق الأنفس ساعد في التغلب على جميع المحاولات الرامية إلى حرمانهم منه.

وكان هناك سبب للخوف من أن الصراعات المحلية التي ذكرتها في إحاطتي الإعلامية الأخيرة يمكن أن تؤثر على الانتخابات في الأماكن المعنية. والواقع أن هذا الخوف تعزز بفعل عودة جديدة للقتال في جبال نفوسه بين قبيلتي الزنتان والمشاشية، وفي الكفرة. ولكن جميع الحالات قد استقرت بما فيه الكفاية للاقتراع الذي جرى في 7 تموز/يوليو، باستثناء مركزين من مراكز الاقتراع في الكفرة. فهناك، تضافرت الجهود - التي شاركت فيها بعثة الأمم المتحدة عن كثب -وأدت إلى اتفاق بين قيادة التبو والمفوضية الوطنية العليا للانتخابات لتمكين التصويت في 10 و 11 تموز/يوليو. وكان ذلك دليلاً آخر على التزام المفوضية بإجراء انتخابات شاملة، مما أدى إلى وضع تدابير خاصة للنازحين داخليا من تاورغاء والطوارق وقبيلة المشاشية كي يتمكنوا من التصويت.

ويتعين الثناء أيضا على المفوضية والمجتمع المدني لشفافية الانتخابات. فقد تم اعتماد ما يزيد على 20000 من المراقبين المحليين ووكلاء الأحزاب، فضلا عن 180 مراقبا دوليا. والبيانات الصادرة عن مجموعات المراقبين المحليين، فضلا عن البيانات الأولية من الاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي، ومركز كارتر، كانت إيجابية عموما، مع توصيات مفيدة للعمليات الانتخابية في المستقبل.

وعقب تحقيق مستوى عال من تسجيل الناخبين البالغ عددهم 2,8 مليون ناخب، أدلى ما يزيد على 1,7 مليون ناخب بأصواتهم – حوالي 62 في المائة. وجرت حملة تعبئة للنساء كمرشحات ومناصرات ومن نشطاء المجتمع المدني طوال العملية الانتخابية، مع العديد من الأنشطة لتنمية المهارات وتبادل الخبرات، وغالبا بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ورهنا بالتصديق على النتائج، يبدو أن 33 امرأة انتخبت في المؤتمر الوطني البالغ عدد أعضائه 200 عضو، 32 منهن على قوائم الكيانات السياسية وواحدة كمرشحة انفرادية.

والمجلس على حق في الاعتراف فعلا بالعمل الرائع المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.
والعلاقة كانت مثالية بين اللجنة وفريق الدعم الانتخابي المتكامل التابع للأمم المتحدة، الذي وصل إلى ذروته بوجود قرابة 55 من الموظفين الانتخابيين الدوليين، الذين انتشروا في بنغازي وسبها، فضلا عن طرابلس. والخبرة المكتسبة مما أطلقتُ عليه اسم الديمقراطية بتفاصيلها لها قيمة مستقبلية هائلة لليبيا الجديدة. ونحن نناقش كيف يمكن دفع تلك القدرات إلى الأمام وتطويرها بدعم من الأمم المتحدة في الفترة المقبلة.

وأصدرت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات النتائج الجزئية حالما توفرت، وتمكنت في الليلة الماضية من إعلان النتائج الأولية الكاملة. وجرى التقدم بعدد قليل من الشكاوى، ولكن قرارات المفوضية يجب أن تقرر فيها المحاكم في غضون 14 يوما، إذا استؤنفت تماما، قبل أن تتمكن المفوضية من التصديق على النتائج النهائية. ومن ثم يعقد المجلس الانتقالي الوطني الاجتماع الأول للمؤتمر الوطني، ويحل نفسه، بينما يشرع المؤتمر الوطني في عقد دورته الافتتاحية. وما فتئت بعثة الأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يقدمان الدعم للأعمال التحضيرية للمجلس الوطني الانتقالي بغية تيسير العملية الانتقالية والوقوف على أهبة الاستعداد لدعم الأعضاء الجدد والأمانة العامة للمؤتمر الوطني. وسيكون ذلك أول عملية انتقالية سلمية وديمقراطية للسلطة في ليبيا. بعدئذٍ، يجب على القادة السياسيين الجدد التوصل إلى اتفاق حول تشكيل حكومة جديدة وعملية صياغة دستور جديد.

وبغية تلبية الشواغل في منطقة شرق ليبيا إزاء أنه خصص لها مقاعد أقل في المؤتمر الوطني مما أعطي للغرب الأكثر ازدحاما بالسكان، قرر المجلس الوطني الانتقالي أنه ينبغي ألا يصاغ الدستور من جانب المؤتمر الوطني نفسه، ولكن من جانب لجنة دستورية منفصلة قوامها 60 عضوا، بتمثيل متساوٍ بين مناطق ليبيا التاريخية الثلاث.

كما أكدتْ للشرق بأنها ستختار ممثليها العشرين، ومن ثم قررت، في عشية انتخابات المؤتمر الوطني العام ، أنه ينبغي انتخاب أعضاء هيئة وضع الدستور انتخابا مباشرا على أساس إقليمي. فإنْ أيّد المؤتمر الوطني العام الجديد ذلك القرار، فسوف يطيل ذلك كثيرا من أمد الجدول الزمني للعملية الدستورية.

أظهر النجاح الساحق للانتخابات أن الغالبية العظمى من الشعب الليبي، بمن في ذلك الليبيون في الشرق، كانت عازمة على المشاركة في أولى الخطوات التي خطتها ليبيا على طريق الديمقراطية. وكانت البعثة ثابتة في رسائلها التي وجهتها إلى الجهات الفاعلة في الشرق بضرورة الامتناع عن أي أعمال عنف. بيد أن الإحساس القوي بالتهميش في الماضي واسع الانتشار في الشرق، ويتطلب إيجاد حلول سياسية. هناك الآن فرصة جديدة لإدارة النقاش حول هياكل التمثيل والحوكمة من خلال الحوار السياسي وعملية وضع الدستور. وبالفعل، تقوم القوى السياسية الناشئة في ليبيا بفتح الأبواب لهذا الحوار. وتتواصل بالفعل جهود الأمم المتحدة الرامية إلى دعم عملية وضع الدستور، وضمان أن يتبع المجتمع الدولي نهجاً منسقاً، وستشمل تقديم أي مساعدة تطلبها الهيئة المكلفة بصياغة الدستور، وبرامج تعزيز التربية المدنية وإجراء مناقشات عامة حول المسائل الدستورية، وتقديم الدعم التقني لإجراء الاستفتاء في نهاية المطاف.

ما هو أشد إلحاحا من إطلاق عملية وضع الدستور مهمةُ التوصل إلى اتفاق في المؤتمر الوطني العام يكفي لتشكيل الحكومة الجديدة بحيث يُختار رئيس وزراء جديد خلال شهر واحد من أول اجتماع للمؤتمر الوطني العام. ومن المتوقع أن تبقى الحكومة المؤقتة إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة والإعداد لعملية تسليم سلسة. وسيبدأ الوزراء الجدد ولديهم أرث أفضل من الفراغ المؤسسي الذي واجه سابقيهم، لكن يجب عدم التقليل من شأن التحديات والتوقعات التي ستواجهها الحكومة الجديدة.

وفي مقدمة تلك التحديات الأمن - المسألة التي يتفق الجميع على أنها كانت تحتل مركز الصدارة في أذهان الناخبين. وخلافا لبعض التقارير، لا تسعى كتائب الثوار في ليبيا إلى البقاء منعزلة وتحدي سلطة الدولة. غير أن من المنتظر أن تقوم حكومةٌ تتمتع بالشرعية الكاملة ولديها أفق زمني أطول بالتصدي للمسائل المتعلقة بمستقبل هذه الكتائب. تريد الأغلبية الساحقة من المواطنين في ليبيا أن يسود حكم القانون في بيئة خالية من الأسلحة تتصدى فيها الشرطة للجرائم ولا تقوم إلا سلطات الدولة بإلقاء القبض على المشتبه فيهم واعتقالهم. وحيثما انفجرت الصراعات المحلية، يريدون أن تنتشر قوات أمن محايدة وموثوق بها انتشاراً سريعاً للمحافظة على السلام، في حين تجري معالجة الأسباب الكامنة وراء الصراع. وخصوصا في الجنوب، يريدون أن تُؤَمّن حدود ليبيا من تهريب المخدرات والأشخاص والأسلحة.

يتطلب التصدي لهذه التحديات نظرة أكثر منهجية وشمولا على مجمل هيكل الأمن والدفاع الوطنيين، نظرةً تتجاوز المبادرات المخصصة أو القصيرة الأجل لدعم قوات الشرطة أو القوات المسلحة. يجب أن يشمل ذلك وضع إستراتيجية للأمن القومي، وتحسين التنسيق والتعاون بين الوكالات في القطاع الأمني، وتجنب تفتيت هياكل القيادة والتحكم فيما بين الوكالات. تفتقر الجهود المبذولة حتى الآن لدمج الثوار وكتائبهم إلى المفهوم الشامل وإلى التنسيق، وتحتاج إلى استعراض عاجل باعتبار ذلك جزءاً من برنامج الإصلاح الأمني لقوات الشرطة والدفاع، بما في ذلك الأمن والإدارة المتكاملين للحدود.

بموجب القرار 2040 (2012)، كُلِّفت البعثة بمساعدة الحكومة الليبية في تطوير الشرطة والمؤسسات الأمنية وجعلها قادرة وخاضعة للمساءلة وملتزمة باحترام حقوق الإنسان ومفتوحة في وجه المرأة والفئات الضعيفة ومراعية لاحتياجاتها. وعلى مدى الأشهر الأخيرة، عملت البعثة مع السلطات الليبية والشركاء الدوليين من أجل وضع ورقة بيضاء للدفاع. ستستخدم الورقة البيضاء للدفاع في تحديد المخاطر والتهديدات الرئيسية التي تواجه ليبيا، وتعريف المهام الرئيسية والعقيدة والرؤية في المجال العسكري، والرقابة المدنية الديمقراطية، والمسائل العامة المتعلقة بالقيادة والتحكم، والهيكل الأساسي للقوات المسلحة، بما في ذلك علاقتها مع وزارة الدفاع والبرلمان القادم. تحقيقا لتلك الغاية، قامت البعثة بتيسير حلقتي عمل للتخطيط الاستراتيجي بمشاركة خبراء ليبيين ودوليين، في أيار/مايو وتموز/يوليو، تضمنت قائمة المشاركين فيها نائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير الدفاع، ورئيس الأركان، ونائب وزير الداخلية، وكبار موظفي وزارة الدفاع وممثلين عن الوزارات الأخرى. وستتمثل المهام الرئيسية في الأشهر المقبلة في بناء وزارةٍ للدفاع تؤدي مهمتها وتضطلع بدورها في الرقابة المدنية والتخطيط؛ وكفالة وجود قيادة وتحكم مشتركين على جميع قوات الدفاع، بما في ذلك ما يخص الحدود والمنشآت الإستراتيجية؛ واستعراض الإطار القانوني القائم الذي يحكم قوات الدفاع؛ وتوفير المدخلات للعملية الدستورية، ووضع خيارات تدريب سريع للقوات المسلحة وكبار مسؤولي الدفاع. وبعد أن تجاوزنا الأولوية الفورية المتمثلة في تأمين الانتخابات، تقترح البعثة الآن أن تقدم المساعدة لوزارة الداخلية في إجراء استعراض إستراتيجي مكافئ، بهدف تحديث قوة الشرطة الليبية. سوف يكمّل ذلك الاستعراض خدمات المساعدة والمشورة التي تقدمها البعثة حالياً في مجال تدريب وإدارة الشرطة.

يظل عدم إحراز تقدم في مجال أمن الحدود وإدارتها يثير قلقا عميقا لدى المجتمع الدولي ولدى الليبيين. وبينما أكمل الاتحاد الأوروبي الآن التقييم المتكامل لإدارة الحدود، فإن ما حال دون إحراز تقدم في هذا المجال الحيوي الخلافاتُ الداخلية الليبية على هياكل القيادة والتحكم والافتقار إلى التنسيق والتعاون بين الأجهزة الأمنية المختلفة. ونتيجة لذلك، لا يوجد أي مفهوم متكامل لأمن الحدود. ولا تزال حماية الحدود الجنوبية تمثل أولوية لليبيين، في ضوء المخاوف من الاتجار بالمخدرات والأسلحة والبشر والهجرة غير القانونية، وانتشار الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية في جميع أنحاء منطقة الساحل. ومع ذلك، لم تف الحكومة حتى الآن بما أعربت عنه من العزم على وضع خطة عمل متكاملة بشأن الحدود الجنوبية. من شأن هذا النهج أن يسمح بحشد المساعدات الثنائية والمتعددة الأطراف ويقلل من خطر التجزئة في القطاع الأمني.

ما برحت إزالة مخلفات الحرب من المتفجرات، وإحصاء الأسلحة وتخزينها بصورة آمنة ومراقبتها من الشواغل الرئيسية في العديد من المجتمعات في جميع أنحاء البلد. ومن خلال دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام، ظلت البعثة تعمل عن كثب مع القوات المسلحة الليبية ومع كتائب بعينها على تهيئة أماكن آمنة لتخزين الأسلحة والذخائر. ومما عاق أيضاً الجهود في ذلك المجال عدم تحديد المسؤوليات بصورة واضحة وعدم التنسيق بين الجهات الفاعلة المختلفة في ليبيا. وظلت البعثة تعمل مع مكتب رئيس الوزراء لوضع الترتيبات التي من شأنها أن تنسق الجهود الليبية والدولية كافة في مجالات مكافحة الألغام والأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة، وتخزين الذخيرة والمواد الكيميائية ذات الصلة والمواد النووية. وتحضُّ البعثة الحكومة أيضا على وضع إجراءات واضحة وشفافة للتنسيق لعمليات الشراء أو منح المساعدات الأمنية الدولية، بما في ذلك الأسلحة والمعدات، إلى أجهزة الأمن المختلفة.

العدالة من المسائل التي تتصل اتصالا وثيقا بالأمن . وما أحرز من تقدم في ذلك الصدد مخيب ٌللآمال أيضاً، ويجب أن تبذل الحكومة الجديدة جهوداً أقوى. إن وجود سلطات ادعاء أكثر قوة ومحاكم فعالة ومحمية، وشرطة قضائية موسعة ومدربة تدريباً أفضل أمر ضروري للتغلب على التحديات العديدة: ضرورة تقديم المتهمين بارتكاب جرائم خطيرة إلى العدالة في إطار القانون، وبالتالي تثبيط ومنع عمليات التوقيف والاعتقال غير القانونية؛ وضرورة النظر في حالات المعتقلين منذ نهاية الصراع، والإفراج عن أولئك الذين لا توجد ضدهم أي أدلة، مع الشروع ي نفس الوقت في إجراءات المحاكمة العادلة بحق مَن توجد أدلة على ارتكابهم أفظع الجرائم؛ وضرورة نقل الأشخاص الذين لا تزال تعتقلهم الكتائب إلى معتقلات ملائمة تابعة للدولة، وحماية السلامة الجسدية لأي معتقل في أي مكان في ليبيا. إن القدرة على تحقيق العدالة أمر أساسي لتحقيق المصالحة - وليس ذلك مجرد كلام نظري أو مبدئي، ولكن باعتباره أمراً عملياً للغاية لكيفية حل النزاعات المحلية التي وقعت مؤخرا. لا تزال البعثة تعطي الأولوية لما تقدمه من دعمٍ في تلك المجالات. وحين تصبح انتهاكات حقوق الإنسان واسعة الانتشار، يجب أن تُكمَّل العدالة الجنائية بعملية أوسع نطاقاً لتقصي الحقائق. تدعم البعثة لجنة تقصي الحقائق والمصالحة في اتخاذ الخطوات الأولى نحو تنفيذ ولايتها.

وسط استمرار انتهاكات حقوق الإنسان، هناك أيضا مؤشرات إيجابية للدفاع عن حقوق الإنسان في ليبيا الجديدة. فقد ألغت المحكمة العليا القانون الذي أقره المجلس الوطني الانتقالي المعنون "تجريم تمجيد الديكتاتور"، الذي كان من شأنه أن يهدد حرية التعبير. وأصبح المجتمع المدني الوليد- لا سيما المجموعات النسائية التي نشطت بفعل الانتخابات- يستطيع بصورة متزايدة أن يجد قضيته في الدفاع عن حقوق الإنسان. وما فتئت البعثة تقدم الدعم لبناء قدرات المجتمع المدني في رصد الانتهاكات والإبلاغ عنها، وكذلك في تقديم الدعم للضحايا. ومن بين الأعضاء المنتخبين حديثا للمؤتمر الوطني أفراد لديهم سجلات في الدفاع عن حقوق الإنسان.

بطبيعة الحال، تواجه ليبيا العديد من التحديات، بالإضافة إلى التحديات المتعلقة بالأمن والعدالة.

ومن بين تلك التحديات، بناء مؤسسات دولة عصرية، وفي الوقت ذاته تغيير مشهد البيروقراطية القديمة والمتضخمة، وتنويع الاقتصاد وإيجاد فرص العمل، لاسيما للشباب، اقترانا بمكافحة الفساد في إدارة ثروات الدولة، والتنظيم المحكم للعمال المهاجرين بطريقة تعود بالنفع على ليبيا وجيرانها، مع احترام حقوق الإنسان للمهاجرين. كما أن نجاح الانتخابات زاد من التوقعات، غير أن هذه مهام ستبقى قائمة حتى بعد نهاية فترة ولاية الحكومة المقبلة.

إن القرار 2040 (2012) يتوقع إمكانية استعراض ولاية البعثة وتعديلها بعد إجراء حوار مع الحكومة الليبية الجديدة بغية كفالة استمرارها في تقديم الدعم الفعال للاحتياجات المحددة لليبيا. ومن غير المرجح أن يبدأ هذا الحوار قبل أيلول/سبتمبر، على الرغم من أننا فعلا نتحاور، بطبيعة الحال، مع الأطراف السياسية الفاعلة. وليس هناك أي سبب للاعتقاد بانتفاء الغاية التي أنشئت من أجلها ولاية البعثة، وبعدم قبول السلطات الليبية والمجتمع المدني الليبي للمساعدة التي تقدمها الأمم المتحدة في المجالات التي نعمل فيها فعلا: أي دعم المراحل التالية من عملية الانتقال الديمقراطي، وتعزيز سيادة القانون وحقوق الإنسان، واستعادة الأمن العام، ومكافحة الانتشار غير المشروع للأسلحة. كما قد تكون هناك طلبات إضافية لتقديم الدعم إلى البعثة والفريق القطري للأمم المتحدة. لقد تم وضع مفهوم مرونة البعثة، من خلال استخدام طرائق لحشد قدرات الخبرات التقنية، لتمكين البعثة من الاستجابة بالشكل المناسب طيلة عام 2012.

وينطوي العنصر الخامس للولاية، أي دعم الجهود الليبية لتنسيق المساعدات الدولية، على شرطين يتجاوزان نطاق قدرات البعثة: القدرات التنسيقية للسلطات الليبية ذاتها ورغبتها في التعامل مع المجتمع الدولي بصورة منسقة، والتزام الأطراف الفاعلة الدولية بالتعاون في إطار تنسيق تقوده الأمم المتحدة. وقد كانت هذه الجهود قوية نسبيا في بعض المجالات، مثل الدعم الانتخابي، مجموعات العمل القطاعية التي أنشأتها وزارة التخطيط بدعم من الأمم المتحدة ينبغي أن تكون إرثا قيما للحكومة الجديدة. لكن هذه الجهود كانت أضعف في مجالات أخرى، ولاسيما القطاع الأمني، الذي يتسم بقوة المصالح الثنائية. وفي الوقت الذي سيظهر فيه السياق الجديد احتياجات وفرصا جديدة لتبادل خبرات المجتمع الدولي وأفضل الممارسات لديه، أعتقد أن أفضل ما يمكن أن يفيد ليبيا هو إعادة تأكيد التزام جميع الأطراف المعنية باضطلاع الأمم المتحدة بدور محوري في دعم الجهود الليبية لتنسيق المساعدات الدولية.

أتوقع أن تكون هذه آخر مرة أقدم فيها إحاطة إعلامية إلى المجلس بشأن ليبيا. عندما سافرت إلى بنغازي في العام الماضي لعقد اجتماع مع المجلس الوطني الانتقالي ومناقشة إمكانية قيام الأمم المتحدة بتقديم المساعدات إلى ليبيا بمجرد انتهاء الأعمال القتالية، لم أكن أتصور الأشواط الجبارة التي قطعتها ليبيا حتى اليوم. وفي خضم شعور الليبيين لأول مرة بالمسؤولية عن إخضاع قادتهم للمساءلة الصارمة، انتقدوا في بعض الأحيان انتقادا شديدا المجلس الوطني الانتقالي والحكومة المؤقتة، وقد كنت صريحا اليوم حول بعض الامور التي لم تعالج بعد بصورة كافية. غير أن الحالة في ليبيا، في الوقت الذي تجري فيه العملية الانتقال إلى السلطات الجديدة بصورة سلمية وديمقراطية، هي أفضل مقارنة مع أي سياق من سياقات حالات ما بعد انتهاء الصراع.

منذ يوم الاقتراع، عقدت اجتماعات مع الرئيس مصطفى عبد الجليل ورئيس الوزراء عبد الرحيم الكيب. وعبرا عن تقديرهما البالغ لدور الأمم المتحدة في العملية الانتقالية. وإذ أنقل تلك المشاعر إلى المجلس، أود أن أسجل تقديري الخاص للعلاقة المنفتحة والبناءة التي أقامتها الأمم المتحدة في ليبيا معهما ومع زملائهما. كما أشكر أعضاء المجلس على الدعم الإجماعي الذي أحسست دائما بأنهم يقدمونه لعمل البعثة.

وشكرا