إحاطة الممثلة الخاصة للأمين العام السيدة هانا تيتيه، أمام مجلس الأمن بشأن الوضع في ليبيا
السيد الرئيس (فرنسا)،
أعضاء مجلس الأمن الموقرون،
أتوجه إليكم بخالص الشكر على دعمكم لي منذ تعييني ممثلة خاصة للأمين العام في ليبيا، إذ إن دعمكم هذا يُمكّن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا من تنفيذ ولايتها على نحو فعّال.
منذ وصولي في شهر شباط/ فبراير هذا العام، أجريتُ مشاورات مكثفة مع الجهات الليبية الفاعلة من مختلف فئات المجتمع سياسياً وعسكرياً وأمنياً وقضائياً ومع مؤسسات رقابية وأحزاب سياسية وقيادات مجتمع مدني وقيادات نسائية ودبلوماسيين. وكانت آراؤهم حول الوضع الراهن في ليبيا بالغة الأهمية.
لقد استمعتُ إلى آراء متباينة، يدعو من خلالها معظم القادة الليبيين إلى عملية سياسية شاملة، ويُشيرون إلى الحاجة المُلحة لإنهاء الإجراءات أحادية الجانب وتوحيد المؤسسات واستعادة الاستقرار. ويعتقد البعض أن تشكيل حكومة موحدة جديدة هو الحل الوحيد، بينما يرى آخرون أنها ستُطيل أمد الفترة الانتقالية التي دامت قرابة خمسة عشر عاماً. ويُشدد هذا الرأي على أهمية تعزيز المؤسسات القائمة، مُشيراً إلى أن تشكيل حكومة انتقالية لم يُعالج التحديات الأساسية التي تواجه ليبيا. وفي حين تتفق جميع الأطراف على إجراء انتخابات، إلا أن هناك آراء متباينة بشأن وضع إطار دستوري قبل إجراء انتخابات عامة.
إن وجود الإرادة السياسية للتوصل إلى حل وسط أمرٌ بالغ الأهمية لوضع خارطة طريق توافقية لحل الأزمة السياسية في ليبيا وإنهاء المرحلة الانتقالية. لذا يتوجب دمج الانتخابات ضمن إطار سياسي شامل يُعزز بناء الدولة من خلال توحيد المؤسسات وتعزيزها.
السيد الرئيس،
تعكف البعثة على دعم عمل اللجنة الاستشارية لوضع خيارات لمعالجة القضايا الانتخابية الخلافية. وقد عقدت اللجنة جلسات في بنغازي وطرابلس، بما في ذلك جلسات مع لجنة (6+6) والمفوضية الوطنية العليا للانتخابات، لمناقشة هذه التحديات. واللجنة بصدد وضع اللمسات الأخيرة على مداولاتها، ومن المتوقع أن تقدم تقريرها الذي يقترح خيارات للمضي قدماً بحلول نهاية الشهر، ما لم يحدث أي تأخير. وأود أن أتوجه بالشكر للجنة على التزامها بهذا المسعى المهم. وستقوم البعثة بتقييم الخيارات واستخدامها كأساس للتوصل إلى توافق في الآراء بشأن الخطوات التالية للعملية السياسية التي يقودها الليبيون ويملكون زمامها.
بالتوازي، أجريتُ مشاورات مع القيادات والأحزاب السياسية والجهات الفاعلة في المجتمع المدني بشأن المرحلة التالية من العملية. وأعتزم اتباع نهج شامل لجميع أصحاب الشأن، بما يضمن ألا تكون أي نتيجة مملوكة لليبيين فحسب، بل تحظى أيضاً بدعم ليبي أوسع. ونظراً لتزايد وتيرة الأزمات المتكررة، أعتزم أن أتحرك على وجه السرعة، مع توخي الحذر للحفاظ على الاستقرار.
السيد الرئيس،
ما تزال الأزمة السياسية في ليبيا مستمرة بسبب التنافس على الموارد الاقتصادية. ويتفاقم الوضع نتيجة لتفكك المؤسسات والإجراءات أحادية الجانب التي تُعمّق الانقسامات وعدم وجود ميزانية موحدة ما يؤدي إلى زعزعة استقرار الاقتصاد الكلي ويسبب عجز في النقد الأجنبي والتضخم وانخفاض قيمة العملة.
وبالتوازي مع عمل اللجنة الاستشارية، دأبت البعثة على العمل مع خبراء اقتصاديين لتحديد الإصلاحات اللازمة للإدارة والاستدامة الماليتين. وسنواصل المشاورات لتعزيز التقدم في هذا الصدد، ونحن على استعداد لدعم الأطراف السياسية الرئيسية للاتفاق على ميزانية موحدة لمنع وقوع أزمة باتت تلوح في الأفق.
إن الحفاظ على استقلالية المؤسسات الرقابية الرئيسية أمر بالغ الأهمية، ويجب أن تحميها الجهات السياسية الفاعلة الرئيسية، بما في ذلك ديوان المحاسبة الوطني. السيد الرئيس، يجب أن تلتزم تعيينات وإقالة قيادات هذه المؤسسات بأحكام الاتفاق السياسي الليبي.
ويُعدّ وقف معاملات المؤسسة الوطنية للنفط المتعلقة بالنفط الخام مقابل الوقود اعتباراً من 1 آذار/ مارس تطوراً إيجابياً يعزز الشفافية في مبيعات النفط. ونحث الحكومة على ضمان تمويل واردات الوقود في الوقت المناسب بناءً على الطلب المحلي. وفي ظلّ تبادل الاتهامات إثر خفض قيمة الدينار الأسبوع الماضي من جانب المصرف المركزي، اقترح عدد من الأطراف الليبية أن تقوم واحدة من شركات المراجعة الدولية الخمسة إجراء مراجعة مالية لمؤسسات الدولة الليبية الرئيسية. ويرون أن من شأن ذلك أن يُسهم في توضيح إدارة المالية العامة، ويُساعد في معالجة أوجه القصور والثغرات في هذه المؤسسات.
السيد الرئيس،
يظل اتفاق وقف إطلاق النار لعام 2020 صامداً إلى حد كبير، إلا أن الوضع الأمني ما يزال متقلباً. ففي ظل استمرار الحشد العسكري والتنافس العدائي على السيطرة الإقليمية خاصة بين المجموعات المسلحة في المنطقة الغربية، جددت التحشيدات المسلحة الأخيرة في طرابلس ومحيطها المخاوف من احتمال اندلاع أعمال عنف في العاصمة. وفي المنطقة الجنوبية، ما يجري من إعادة هيكلة قوات الجيش الوطني الليبي وترسيخ سيطرتها يستمر في تاجيج التوترات مع الأطراف المحلية وقد أسفر ذلك عن قتال عنيف وخسائر في الأرواح في القطرون. وسيظل الوضع هشاً إلى أن تتوفر إرادة سياسية لتوحيد القوات الأمنية والعسكرية في إطار رؤية مشتركة.
ولتعزيز التواصل وتبادل المعلومات، وبتيسير من البعثة، فقد أنشأت السلطات الأمنية والعسكرية من شرق وغرب ليبيا مراكز أمنية حدودية مشتركة في طرابلس، وقريباً في بنغازي. وتهدف هذه المراكز إلى تعزيز التواصل وتبادل المعلومات في جميع أنحاء البلاد.
السيد الرئيس،
إن دعم الشركاء الإقليميين والدوليين أمر بالغ الأهمية لنجاح أي اتفاق سياسي. لذا فقد أجريت في آذار/ مارس زيارة إلى الجزائر ومصر وتونس وتركيا لتسليط الضوء على جهود البعثة في تعزيز عملها السياسي ولشرح آخر المستجدات حول تقدم عمل اللجنة الاستشارية. وشددتُ على مخاطر استمرار الوضع الراهن على وحدة ليبيا واستقرارها الإقليمي ورحبتُ بالتقييمات والآراء حول كيفية تجاوز المأزق السياسي.
وبينما أواصل هذه المباحثات، فإنني أعكف على استكشاف الخيارات المتاحة لتعزيز فعالية وشمولية آليات التنسيق القائمة على المستويين الإقليمي والدولي لبناء الدعم اللازم لدفع العملية السياسية إلى الأمام.
السيد الرئيس،
من بين العواقب المأساوية لانقسام المؤسسات الليبية هو الفراغ الذي يسمح للأطراف المسلحة بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان دون عقاب. كما إن التصاعد الأخير لخطاب الكراهية العنصري وكراهية الأجانب يُثير قلقاً بالغاً، إذ يُحرّض على العنف ضد المهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين والمنظمات الإنسانية التي تُقدّم الدعم المُنقذ للحياة. إن تصوير المهاجرين على إنهم تهديدات أمنية سبباً في خروج مظاهرات والقيام باعتقالات جماعية وتسبب أيضاً بحادث إطلاق نار مميت.
كما تم تعليق أنشطة بعض المنظمات الإنسانية المسجلة رسمياً في ليبيا واستجواب موظفيها، مما أعاق تقديم الدعم المنقذ للحياة، وجراء ذلك تم تسجيل وفاة ثلاثة أشخاص حتى الآن.
إن استهداف المنظمات الإنسانية والمهاجرين وطالبي اللجوء واللاجئين يجب أن يتوقف. وهنا نُشيد بالجهود الأخيرة التي بذلتها الحكومة لمعالجة الوضع، ونحث الأطراف السياسية كافة على تبني نهج أكثر شموليةً لمعالجة الاتجار بالمهاجرين وتأمين المجال الإنساني من خلال ضمان وصول وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الشريكة بشكل آمن ودون عوائق.
السيد الرئيس،
ما يزال الاحتجاز التعسفي متفشياً في ليبيا، بما في ذلك استهداف العاملين في مجال القانون والمعارضين السياسيين. وبينما تُعدّ عمليات الإفراج الأخيرة في شرق ليبيا وغربها تطوراً إيجابياً، إلا إن مئات الأفراد ما يزالوا يرزحون تحت وطأة الاحتجاز غير القانوني. وهنا أحثّ السلطات بشدة على ضمان أن تكون الاعتقالات وفقاً للقانون، وأن يُمنح المحرومون من حريتهم حقوقهم في الإجراءات القانونية الواجبة والمحاكمة العادلة. علاوة على ذلك، أؤكد على الحاجة الملحة للإفراج عن جميع المحتجزين تعسفياً دون تأخير.
تواجه النساء في ليبيا تحدياتٍ كبيرةً وعنفاً دون حماية اجتماعية أو قانونية كافية. وفي تفاعل مع هذا التخوف، أجرى خبراء ليبيون مشاوراتٍ مكثفة لوضع مشروع قانونٍ بشأن حماية المرأة من العنف. وقد أقرّ أعضاء مجلس النواب هذا القانون الشامل الذي يُعالج ثغرات الحماية ويتماشى مع المعايير الدولية، وذلك في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، وأقرّته اللجنة التشريعية في كانون الثاني/ يناير 2024.
وأحثّ مجلس النواب على الإسراع في إقراره دون تأخير.وإذ نجد عملية المصالحة الوطنية قد أصبحت مسيّسة، ما تزال دعوات الضحايا الدائمة لكشف الحقيقة والعدالة والتعويض بعيدة المنال. وهنا أؤكد التزام البعثة بالتعاون مع جميع الأطراف الليبية المعنية والاتحاد الأفريقي لدعم عملية مصالحة شاملة قائمة على الحقوق وتركز على الضحايا.
السيد الرئيس،
فيما يتعلق بالانتخابات، فإن المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية في 62 بلدية، بما في ذلك في طرابلس وبنغازي وسبها، انتهى تسجيل الناخبين فيها يوم 15 نيسان/ أبريل. وتشير الأرقام الأولية إلى تسجيل أكثر من 570 ألف ناخب، 31 بالمائة منهم من النساء.
هذه الانتخابات بالغة الأهمية في إرساء حوكمة ديمقراطية على مستوى القاعدة الشعبية. عموماً، كانت المرحلة الأولى من الانتخابات البلدية ناجحة؛ إلا أنه في ظل غياب حكومة موحدة، لم تُحترم نتائج التصويت في بعض البلديات، واستُبدل المرشحون الفائزون بسلطات الأمر الواقع، كما حدث في هراوة. وفي حالات أخرى، يجري تغيير حدود البلديات أثناء العملية الانتخابية، أو تبقى النتائج معلقة بسبب مزاعم بالتدخل. لذا ينبغي حل النزاعات المتعلقة بنتائج الانتخابات من خلال الأطر القانونية القائمة مع احترام إرادة الناخبين، قُبيل الجولة القادمة من التصويت، كمت يجب استخدام هذه العملية لتعزيز جاهزية المؤسسات للانتخابات الوطنية.
على المستوى الوطني، ما يزال النزاع حول انتخابات رئاسة المجلس الأعلى للدولة دون حل، مما يُضعف هذه المؤسسة. وأحثّ الأعضاء على إيجاد حل توافقي.
السيد الرئيس،
يواجه الليبيون العاديون وبشكل يومي أزمات متكررة، سواءً أكانت اقتصادية أم أمنية أم سياسية. فالانقسامات المؤسسية والسياسية التي طال أمدها، إلى جانب الإجراءات الأحادية الضارة وصراع القلة من ذوي الحظوة على السيطرة على الموارد، تُقيد تطلعات الشعب الليبي واحتياجاته. إن الإفراط في إنفاق موارد ليبيا الهائلة في غياب ميزانية وطنية متفق عليها قد يؤدي إلى انهيار اقتصادي إذا لم تتم معالجته بصورة عاجلة. هذا على الرغم من أن موارد البلاد قادرة على توفير ما يكفي من الأمن والسلامة والرفاهية لمواطنيها.
إن هدف بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا هو دعم الشعب الليبي لإنهاء الفترات الانتقالية المتعاقبة وإرساء السلام والاستقرار والحكم الرشيد من خلال ضمان توحيد المؤسسات الليبية وإجراء انتخابات وطنية شاملة، من بين أمور أخرى.
ورغم تباين مصالح الدول الأعضاء في ليبيا، يتوجب على المجتمع الدولي أن يجتمع على كلمة سواء للتعاون في إيجاد خطة موحدة لدعم دولة ديمقراطية تلبي الاحتياجات والتطلعات الأساسية لليبيين وتعزز النمو الاقتصادي والتنمية العادلة.
إن التقاعس عن التغيير سيكون أفدح كلفة من التغيير نفسه
شكراً لكم سيادة الرئيس