اختتام مؤتمر الحقيقة والمصالحة في ليبيا بتوصيات للتقدم بالمسارين

18 Dec 2012

اختتام مؤتمر الحقيقة والمصالحة في ليبيا بتوصيات للتقدم بالمسارين

اختتم المؤتمر حول تقصي الحقائق والمصالحة في ليبيا، والذي انعقد في العاصمة الليبية طرابلس يومي 12 و13 ديسمبر/كانون الأول، أعماله باعتماد توصيات للمضي قدماً في هذين المسارين لمعالجة هذا الجانب الحاسم من الانتقال الديمقراطي في ليبيا.

وقد جمع المؤتمر ما يقرب من 100 مسؤول حكومي وأعضاء هيئة تقصي الحقائق والمصالحة وعدد من أعضاء المؤتمر الوطني العام و مجلس الحكماء وممثلين عن وزارة الشهداء والمفقودين والمجتمع المدني ومجموعات الضحايا و كذلك عددٌ من الخبراء إلى جانب أعضاء من السلك الدبلوماسي في ليبيا. وقد توافد المشاركون من جميع أنحاء ليبيا لحضور المؤتمر الذي قدم خلاله خبراء دوليون من جنوب إفريقيا والبيرو وتونس عروضاً عن تجارب بلدانهم في التعامل مع الماضي.

وتم تنظيم المؤتمر من قبل الأمم المتحدة بالشراكة مع هيئة تقصي الحقائق والمصالحة ولجنة حقوق الإنسان في المؤتمر الوطني العام.

وناقش المشاركون خلال هذا المؤتمر أهمية وتحديات عمليات تقصي الحقائق، بما في ذلك الإطار القانوني والمؤسسي ودور مجموعات الضحايا. كما بحث المؤتمر دور هيئة تقصي الحقائق والمصالحة ودور زعماء القبائل في المصالحة.

وبعد يومين من المداولات خرج المؤتمر بتوصيات تتضمن دعوة للسلطات الليبية لإظهار الإرادة السياسية الضرورية لتحقيق العدالة الانتقالية.

فقد أوصي المؤتمر بأن تعمل الحكومة على وجه السرعة ، بمساعدة الأمم المتحدة، من أجل تحسين الأمن وخلق الظروف الملائمة لتقصي الحقائق، بما في ذلك نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج للكتائب غير الشرعية وتحسين دور الإعلام الذي يمكنه توسيع نطاق الحوار المجتمعي والذي ينبغي تشجيعه على لعب دور أكثر إيجابية، والمساعدة في تطوير أداء القضاء وقدراته واستقلاله، وحل قضية المحتجزين حالياً خارج إطار القانون و فحص ملفاتهم والإفراج عن الذين لا توجد أدلة كافية ضدهم، ومحاكمة من يتحملون مسؤولية الجرائم التي ارتكبها النظام السابق، وخلق ظروف مواتية لعودة النازحين.

كما أكد المشاركون أن الليبيين يريدون تخطي الماضي وأن المصالحة جزء هام من تعزيز الديمقراطية الليبية مشددين على أن ليبيا بإمكانها الاستفادة من تراثها الإسلامي وتقاليدها الثقافية الغنية لتعزيز المصالحة.

وأقر المؤتمر بالحاجة إلى المزيد من الحوار بين المعنيين في عملية المصالحة ودعا المشاركون الأمم المتحدة إلى المساعدة في هذا الحوار.

كما اتفق المشاركون على أن الحقيقة والعدالة والتعويضات ضرورية للمصالحة وأنه ينبغي تحديد خطوات ملموسة في هذا المجال.

وأكد المشاركون أيضاً على أهمية الفصل بين السياسة وعملية العدالة الانتقالية وإشراك المرأة في كافة مراحلها. كما رحب المؤتمر بجهود وزير العدل لإصدار قانون جديد للعدالة الانتقالية.

وأوصى المؤتمر بأنه ينبغي على الحكومة الليبية ضمان سير عملية تقصي الحقائق، التي اعتبرها بمثابة حجر الزاوية في مسار المصالحة، على نحو ديناميكي يكون واسع النطاق، مؤكداً أن المجتمع المدني شريك أساسي في عملية العدالة الانتقالية. كما أوصى المؤتمر بضرورة احترام حقوق الضحايا مشدداً في الآن نفسه على أن يتم استبعاد الذين ارتكبوا انتهاكات في الماضي من الحياة العامة على أساس ما اقترفوه من أفعال وليس على أساس انتماءاتهم.

وقدم المشاركون لحضور المؤتمر وتحدوهم آمال كبيرة في أن يسهم هذا الحدث في إطلاق أحد أهم المسارات الأساسية لعملية التحول الديمقراطي في ليبيا والذي حجبته أولويات وطنية مهمة أخرى وخاصة ما يتعلق منها بالملف الأمني و السياسي.

فقد أكد وزير العدل الليبي السيد صلاح المرغني عند افتتاحه لأعمال المؤتمر أن " تقصي الحقائق والعدالة الانتقالية هما جزء هام من برنامج ليبيا للخروج من طور الثورة إلى طور الدولة."

.

الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا السيد طارق متري يلقي كلمة خلال المؤتمر

ومن ناحيته، شدد الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة السيد طارق متري في كلمته أثناء الجلسة الافتتاحية على أن عملية المصالحة ليست مهمة للاستقرار فحسب، بل مهمة أيضا لمستقبل التحول الديمقراطي في ليبيا ككل. و قال في هذا الصدد أن " المصالحة ضرورة من ضروريات استتباب الأمن وإطلاق التنمية البشرية. "

واستطرد قائلاً: "إن هذه العملية، إذا أحسنت إدارتها بدون تسرع وبعيداً عن العصبيات، يمكنها أن ترسم الملامح الكبرى لعقد اجتماعي جديد هو المدماك الأول الذي يقوم عليه الدستور الجديد".

أما عضوة المؤتمر الوطني العام السيدة أمينة المغربي، فقد اعتبرت أنه ينبغي على الليبيين الاستفادة من خبرات الآخرين في هذا المجال، مضيفة أن العدالة الانتقالية تعزز ثقافة المساءلة في مواجهة الافلات من العقاب وتسهم في ردع الجرائم المستقبلية.

كما أشارت إلى أن الأولوية ممنوحة لملف النازحين، وقالت "إنهم أهلنا الذين يعانون ويجب أن يكون هناك حل في أقرب وقت ممكن لمعاناتهم. "

رأى السيد محسن الشيباني من وزارة حقوق الإنسان والعدل التونسية

ومن جانبه، رأى السيد محسن الشيباني من وزارة حقوق الإنسان والعدل التونسية ومنسق اللجنة الفنية المشرفة على الحوار الوطني حول العدالة الانتقالية في تونس، أن المؤتمر سيساعد على تعزيز العدالة الانتقالية في ليبيا.

و قال في هذا الصدد: "نحن نتوقع أن يستوعب المشاركون أهمية فكرة العدالة الانتقالية ومفهومها وآليتها، وأن يفهم صناع القرار أهمية إشراك الأشخاص النشطين ميدانياً في هذا المجال."

وكان لليبيين الذين شاركوا في المؤتمر آراء متنوعة.

الشيخ عبد اللافي عبد الله أبو جريدة،

فقد وصف الشيخ عبد اللافي عبد الله أبو جريدة، وهو مدرس ومفتش تعليمي سافر في أرجاء البلاد وشارك في حل خلافات محلية الصعوبات التي تنطوي عليها عملية المصالحة، وأشار إلى أن "أكبر المشكلات هي الممتلكات والدم، أي الجرائم التي تم فيها اغتصاب عائلات بأكملها وقتل جميع الرجال بعد استخدام أكثر أساليب التعذيب بطئاً وقسوة."

هاجر محمد القائد، عضوة المؤتمر الوطني العام من يفرن

أما السيدة هاجر محمد القائد، وهي عضوة المؤتمر الوطني العام من يفرن، فهي مؤمنة بالمصالحة بالرغم من أن والدها هو أحد الليبيين الذين قتلوا في مذبحة أبو سليم عام 1996 والتي تم فيها قتل 1200 سجين رمياً بالرصاص على يد نظام القذافي.

وصرحت في هذا الخصوص أنه "إذا أردنا بناء دولة مبنية على القانون، فلا يمكننا القيام بذلك من خلال تجريم عائلات مرتكبي الجرائم أو توسيع دائرة اللوم إلى أبعد مدى"، وأنه "يجب أن يصب اللوم على القتلة وليس على عائلاتهم. لا يمكننا الاعتماد على شريعة الغاب، خاصة ونحن نناضل للخروج منها"، مضيفة أنها تؤمن بأنه ينبغي على الشباب قيادة المصالحة وليس الجيل القديم.

أما السيدة ماجدة الفلاح عضوة المؤتمر الوطني العام عن حي الأندلس، طرابلس، فإنها ترى أن الأولوية والضرورة الآن هي الوصول إلى الدستور.

وعن دور الأمم المتحدة، فقد أكد ممثل الأمم المتحدة السيد طارق متري أن المنظمة ستستمر في عرض المساعدة تأسيساً على طلب الليبيين، مشيراً إلى أن "التذكير المستمر بأهمية المصالحة والمساهمة في تأمين الظروف الملاءمة لها يقع في صلب واجباتنا."

وصرح السيد متري بأنه على ثقة بأن يتمكن الليبيون من البناء على نتائج المؤتمر وأعرب عن أمله أن لا يكون هذا المؤتمر "حدثاً عابراً، بل لحظة فارقة في طريق غير منقطع."