إحاطة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا طارق متري لاجتماع مجلس الأمن 27 أغسطس 2014

28 Aug 2014

إحاطة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا طارق متري لاجتماع مجلس الأمن 27 أغسطس 2014

إحاطة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا
طارق متري لاجتماع مجلس الأمن 27 أغسطس 2014

السيد الرئيس،

1. في الأيام الأخيرة جاءت المواجهات المسلحة، التي كانت سبباً ونتيجة للانقسام العميق بين الفصائل السياسية الليبية، غير مسبوقة في خطورتها. كما كانت بكل تأكيد مدعاة للقلق الشديد. وقد قرر مجلس النواب أن الجماعات التي تقاتل تحت اسم "فجر ليبيا" وأنصار الشريعة جماعات إرهابية خارجة عن القانون. واتهم تحالف فجر ليبيا الحكومة الانتقالية ومجلس النواب المنتخب حديثاً بانتهاك الإعلان الدستوري مما افقدهم شرعيتهم، واعتبر دعوتهم للتدخل الخارجي هو فعل خيانة. كما طالب التحالف المؤتمر الوطني العام السابق بالانعقاد. وقام المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته بتعيين عمر الحاسي رئيساً للوزراء والطلب منه تشكيل حكومة "إنقاذ وطني".

2. منذ إحاطتي الأخيرة لمجلس الأمن في 17 تواصلت المعارك المسلحة، وزادتها احتداما الغارات الجوية. و استمرت بلا انقطاع في طرابلس وبنغازي ومناطق أخرى من البلاد. وقد شهدت طرابلس حركة نزوح غير مسبوقة للسكان في محاولة للهرب من الاقتتال. وتشير تقديرات متحفظة إلى أن عدد النازحين يزيد عن 100 ألف شخص إلى جانب لجوء 150 ألف آخرين إلى خارج البلاد بما في ذلك العمال الأجانب الذين هربوا من ليبيا. كما أن هناك تدهور عام في الأحوال المعيشية، إذ يوجد نقص شديد في الطعام والمياه والكهرباء. وقد زاد رحيل الأجانب الذين يعملون في مجال الرعاية الصحية، فضلا عن نقص الإمدادات الطبية، خطورة المحنة التي يعاني منها المدنيون. وأسهم ارتفاع معدلات الجريمة في مزيد من التدهور . ومن المحتمل أيضاً أن يؤدي القتال إلى انتشار مخلفات الحرب من المتفجرات والذخائر غير المنفجرة مما يشكل تهديدا اضافيا للمدنيين.

3. إن استخدام الأطراف كافة الأسلحة الثقيلة في المناطق المكتظة بالسكان أدى إلى نشر الرعب واسهم في ارتفاع الخسائر في الأرواح بين الأبرياء بما في ذلك الأطفال. إضافة إلى ذلك فقد كانت هناك عدة حوادث خطف وإحراق للمنازل ونهب وغيرها من أعمال الانتقام. وإنه لأمر مأساوي ما لحق من اضرار بالمنشآت العامة في الجزئين الجنوبي والغربي من طرابلس بما في ذلك المطار ومستودع النفط الرئيسي والطرق والجسور.

4. وفي الشرق، يستمر القتال بين وحدات درع ليبيا و عدد من الكتائب وجماعة أنصار الشريعة المتطرفة من جهة والقوات المتحالفة مع اللواء خليفة حفتر والقوات الخاصة التابعة للجيش من جهة أجرى. وقد أدى هذا العنف إلى سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين.

السيد الرئيس،

5. في آخر إحاطة قدمتها للمجلس، قدمت تقريراً حول إجلاء الموظفين الدوليين في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا نتيجة للصراع المتزايد والقتال الدائر في منطقة جنزور ومحيطها حيث يوجد مقر البعثة. ولا زلنا نؤكد أن هذا الإجراء مؤقت وستتم إعادة الموظفين عندما تسمح الأوضاع الأمنية بذلك.

6. على الرغم من هذا الإجراء، لا زالت البعثة تتعامل عن كثب مع التطورات في ليبيا. ففي 7 أغسطس، توجه فريق صغير برئاسة نائبي إلى طرابلس للعمل من اجل وقف غير مشروط لإطلاق النار. وقد قامت السفارة الإيطالية في طرابلس بتيسير هذه الزيارة. وهنا أود أن اتقدم بالشكر لإيطاليا لكرمها. وخلال الزيارة التي استمرت 12 يوماً، التقى الوفد بالعديد من الأطراف السياسية والعسكرية الفاعلة. وبينما تفاعل الجميع بصورة بناءة مع مقترحاتنا، بدا واضحاً أننا في حاجة للمزيد من العمل للتغلب على حالة انعدام الثقة بين أطراف الصراع.

7. بينما تنوي البعثة الاستفادة من هذه المحادثات، نرى أنه ينبغي أرسال رسالة واضحة للأطراف المتقاتلة لتذكيرهم بالتزاماتهم بموجب القانون الإنساني الدولي، وأعتقد أن قراركم قد قام بذلك، مع التأكيد على الحاجة لمشاركتهم البناءة في حوار سياسي تيسره الأمم المتحدة.

السيد الرئيس،

8. في 4 أغسطس حضرنا الجلسة الافتتاحية لمجلس النواب المنتخب حديثاً في طبرق. وللأسف فقد فشلت الجهود المتعددة، ومنها جهودنا، للوصول إلى اتفاق حول القضايا الإجرائية وما يتعلق بها من أجل ضمان المشاركة الكاملة لكافة الأعضاء المنتخبين. فقد قرر عدد من الأعضاء مقاطعة الجلسات. ومع التأكيد على أهمية حماية العملية الإنتقالية الهشة في ليبيا، وباعتبار مجلس النواب الهيئة التشريعية الوحيدة المنتخبة بطريقة شرعية، فقد أكدنا على أهمية بذل كافة الجهود لتمكين البرلمانيين الذين قاطعوا مجلس النواب من الانضمام إلى زملائهم.

السيد الرئيس،

9. إن التطورات في ساحة المعركة في ليبيا خلال الأسابيع القليلة الماضية مدعاة للقلق العميق. حيث ندين بشدة القصف العشوائي بصفة خاصة. ويجب محاسبة المسؤولين عن إزهاق أرواح المدنيين وتدمير الممتلكات الخاصة والبنية التحتية العامة، وكذلك المسؤولين عن إساءة معاملة السجناء وتعذيبهم. ومن المثير للقلق بشكل خاص التقارير الواردة من درنة والتي تفيد بقيام جماعة متطرفة بإجراء محاكمات وإعدامات خارج النظام القضائي.

10. وفي هذا الصدد، أرحب بالإعلان الذي أصدره المدعي العام الليبي في 17 أغسطس حول نيته التحقيق في الجرائم المرتكبة أثناء القتال الأخير في طرابلس وأحث مكتبه على البدء في تحقيقات محايدة، حتى إذا لم يكن هناك من شكاوى رسمية. كما أرحب بالتصريحات الأخيرة للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ومكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان مذكرين فيها أطراف الصراع كافة أن مرتكبي الجرائم ضد المدنيين ومن أمروا بها أو لم يقدموا على إيقافها ومن يحرضون على العنف هم جميعا عرضة للمحاكمة.

11. لقد أصبح تهديد انتشار الجماعات الإرهابية حقيقياً. كما أن تواجدها ونشاطها في عدد من المدن الليبية معروف للجميع. وحالياً، فإن الفوضى الأمنية والقدرة المحدودة للحكومة على مواجهة هذا التهديد قد أوجدت أرضاً خصبة لتزايد الخطر في ليبيا وخارجها.

السيد الرئيس،

12. في إحاطتي السابقة وصفت اجتماع الحوار السياسي، الذي كنت أنوي عقده في 18 و19 يونيو والذي تم إحباطه، "بالفرصة الضائعة". فكل مبادرة حوار تتعثر هي بمثابة فرصة ضائعة. ونحن بحاجة لتذكير الزعماء السياسيين الليبيين وقادة الكتائب بأن الحوار هو البديل الوحيد للمواجهات المسلحة الطويلة الأمد. فلا يوجد حل عسكري ممكن وإن استخدام القوة سوف يزيد من عمق الورطة الحالية. وعلى الرغم من أن أفق الاتفاق السياسي يبدو بعيداً، تحتاج الأمم المتحدة إلى بذل كافة الجهود لجمع الأطراف الفاعلة كافة على طاولة الحوار. ولا ينبغي أن يصرفنا الترهيب أو التشهير عن الالتزام بأن نكون وسيطاً محايدا.

13. و باستثناء أقلية تشكك في دور الأمم المتحدة في ليبيا أو تعاديه، هناك قبول واسع النطاق لحضور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إضافة إلى توقعات كبيرة منها، لا سيما في المطالبة المتكررة بأن تسهم الأمم المتحدة بشكل أكثر فعالية في حماية المدنيين. وقد يكون هناك دعم واسع في ليبيا لوجود معزز للأمم المتحدة، غير ان نوع الدعم وحجمه ما زال يفتقر الى الوضوح. إضافة إلى ذلك، هناك حاجة لتبديد التصورات الخاطئة كشرط لانخراط أكبر للأمم المتحدة في ليبيا.

14. لقد طلب منا مرة أخرى لعب دور أكبر في بناء المؤسسات. وستحتم الاستجابة المناسبة المزيد من التطوير لقدرات بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. ولكن ذلك في حد ذاته لا يضمن تحقيق الإنجازات المطلوبة. فقد تعلمنا من الخبرات السابقة أنه في غياب الإرادة السياسية الجماعية والأولويات الوطنية المحددة بوضوح عند الليبيين، قد تواجه البعثة صعوبات في التنفيذ. فالملكية الوطنية ليست فقط في ضمان أن تكون إجراءات الأمم المتحدة متماشية مع الاستراتيجيات الليبية، بل تتطلب قبولاً ليبياً للمشورة والمساعدة الفنية اللاحقة. إضافة إلى ذلك، تعني الملكية الوطنية الليبية جهداً مستمراً لضمان التنسيق الفعال للدعم الدولي. فقد تم منح البعثة ولاية للعب دور قيادي في هذا الصدد ولكن نجاحها كان محدوداً. ومن المهم أن نرى دوراً ليبياً منسقاً لتضافر الجهود الموحدة. ولا يقل عن ذلك أهمية استعداد أصدقاء ليبيا كافة لتنسيق أنشطتهم بصورة أفضل.

15. كما هو الحال في أماكن أخرى في المنطقة، فتحت التحولات الجذرية الباب أمام فرص جديدة وزادت من الوعود. وتوضح التجربة الليبية حقيقة أن الانتقال حافل بالمخاطر، بعضها نتيجة للمصالح المتضاربة والمخاوف المتبادلة وإرث أكثر من اربعة عقود من الحكم الاستبدادي وإعادة إحياء العداوات والكراهية في الصراع من أجل السلطة. كما تتعلق المخاطر أيضاً بتأثر مستقبل ليبيا بالاستقطاب الإقليمي والتنافس بالوكالة. وفي جميع الأحوال فإن التهديد بعرقلة حركة التغيير التي بدأتها الثورة يتزايد. ولا يمكن إيقاف الانحدار نحو المزيد من انعدام الاستقرار إلا إذا التزمت الأطراف المتعددة في الحياة العامة الليبية قولاً وفعلاً بالعملية السياسية الديمقراطية. ولا يمكن اختزال العملية الديمقراطية في صندوق الاقتراع وما ينبثق عنه من اكثريات وأقليات عددية. فتقدم العملية الديمقراطية يتوقف على إعلاء مبادئ التعددية واشراك الجميع، والفصل بين السلطات والالتزام بالقيم والمعايير الديمقراطية المتفق عليها.

16. لا يزال الكثير من الليبيين يشككون في العملية السياسية في بلادهم ويشعرون بالإحباط من النخبة السياسية. وتعتبر المشاركة الضئيلة في الاقتراعين الأخيرين مؤشراً على هذا التآكل في المصداقية. حيث يضاعف الإحباط الذي تعززه المعاناة والخوف النابع من المواجهات المسلحة من خطر انتكاسة كبرى في ليبيا. ويتصل بنا عدد كبير من الليبيين ويكتبون لنا في حالة من الأسى أو خيبة الأمل. و هناك الكثيرون لا يستسلمون لليأس. ولا يمكننا إلا أن نكون إلى جانبهم جميعاً في هذا الوقت العصيب من تاريخ بلادهم.

17. وأخيراً، أود أن أعبر عن امتناني لمجلسكم الموقر لدعمكم خلال مدة تولي لمنصبي والتي ستنتهي قريباً. كما أود أن أعبر عن تقديري لموظفي بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وموظفي الأمم المتحدة في ليبيا المحليين والدوليين على الروح التي لا تعرف الكلل والتي أظهروها بالرغم من المشكلات الكبيرة التي واجهتهم والمخاطر المتعلقة بأمنهم وسلامتهم الشخصية أثناء قيامهم بعملهم.

شكراً لكم.