بيان الممثل الخاص للأمين العام مارتن كوبلر إلى مجلس الأمن

19 أبريل 2017

بيان الممثل الخاص للأمين العام مارتن كوبلر إلى مجلس الأمن

"العودة إلى السياسة"

مارتن كوبلر، الممثل الخاص للأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا

19 نيسان/أبريل 2017، نيويورك

شكراً، السيدة الرئيسة،

السيدة الرئيسة، أعضاء المجلس الموقرين

أود في البداية أن أتقدم بالتهنئة إلى الولايات المتحدة الأمريكية على ترؤس أعمال مجلس الأمن في هذا الشهر

لقد تلقى أعضاء مجلس الأمن تقرير الأمين العام الأخير بشأن ليبيا.

وأود أن أركز في ملاحظاتي على بعض الخطوط الاستراتيجية كما أود أن أقدم توصيات لنظر المجلس.

بناء عناصر الوحدة

السيدة الرئيسة،

1. إن بناء الوحدة في ليبيا اليوم يعد أهم من أي وقت مضى. فلقد كانت ليبيا قبل توقيع الاتفاق السياسي الليبي في الصخيرات بلداً يعاني من انقسامات عميقة. لقد منحت الأطراف الليبية تأييداً واسع النطاق للاتفاق السياسي الليبي، حيث وقعت عليه في 17 كانون الأول/ديسمبر 2015 بأمل وثقة، ولا يزال هذا التأييد مستمراً اليوم.

2. ولا يزال المجتمع الدولي يدعم الاتفاق ومؤسساته بقوة، ويعترف بالمجلس الرئاسي بصفته السلطة التنفيذية الوطنية الوحيدة. كما أن بيانات سفراء الدول الخمس دائمة العضوية إلى ليبيا، والدعم والانخراط السياسييْن لبلدان الجوار، وتشكيل اللجنة الرباعية من الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة كلها أمور تعكس بشكل ملموس الترابط والالتزام الدوليين. فكلنا نتشاطر نفس الرؤية، وكلنا نتشاطر نفس خارطة الطريق.

3. إن كلا من الليبيين والمجتمع الدولي يدعمون الاتفاق.
نعم، يمكن تعديله.
لكن، كلا، لا يوجد بديل، لا توجد خطة بديلة.
ولا توجد حاجة لها.

فإن لم تلتزم الأطراف بمسؤوليتها الواردة في الاتفاق السياسي، فلا يوجد أي سبب يدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون لديها التزاماً أكبر باتفاق بديل.

4. توجد إشارات إيجابية في أماكن أخرى كذلك. لقد حققت الحرب على الإرهاب نجاحاً كبيراً. فتنظيم داعش لم يعد يسيطر على أي أراض في ليبيا. ويعد هذا إنجازاً مهماً نحو نهاية تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا. فيما تم على الأقل احتواء الوضع الأمني في طرابلس.

5. وفيما يتعلق بالاقتصاد، ارتفع إنتاج النفط كما يمكن أن يزداد بصورة أكبر. وحققت الشركة الوطنية للنفط الكثير وأثبتت ضرورة الحفاظ على وحدة المؤسسات السيادية. فيما قام مصرف ليبيا المركزي بصرف موارد الميزانية، بما فيها الرواتب في جميع أجزاء البلاد.

دوافع الخلاف

السيدة الرئيسة،

على الرغم مما ذكرته، يجب علينا أن نكون صادقين بما يكفي لكي لنرى أن التفاؤل والثقة اللذان سادا في الصخيرات قد تلاشيا. وعوضاً عنهما أرى إحباطاً وخيبة أمل، وفي بعض الأحيان أرى غضباً، وغالبا ما يكون مبرراً.

إن الأفق الواضح الذي رسمه الاتفاق السياسي الليبي أصبح مبهماً، والطريق إلى الأمام لم يعد واضحاً للعديد.

اليوم، أسهم عدم الوضوح هذا في التشتت والاختلاف مما ساهم في إيجاد فراغ سياسي خطير في السلطة.

ولا تزال الاشتباكات العنيفة، والاضطرابات الاجتماعية وتزايد الأعمال الإجرامية أمراً شائعاً في أجزاء عديدة من ليبيا.

يجب على مؤسسات الاتفاق السياسي الليبي تحقيق نتائج إن أرادت الحفاظ على مصداقيتها وشرعيتها.

إن الانقسامات في العديد من المؤسسات قد أثرت على قدرتها على الحكم. 

فعوضاً عن العمل من أجل مصلحة الدولة، بدأ العديد في تصور ترتيبات تقاسم السلطة من خلال مصالح مجموعة على حساب أخرى.

نتائج الانقسام

السيدة الرئيسة،

إن نتائج هذه الانقسامات تضع ليبيا على مسار مقلق.

فالعديدون محرومون من الخدمات العامة، بما فيها إمكانية الوصول إلى الكهرباء والصحة والتعليم والمياه.

ولا يزال الاقتصاد آخذ في التدهور. فلقد خسر الناتج المحلي الإجمالي ما يزيد على نصف قيمته منذ عام 2012.

إن الشح في السيولة يحرم الليبيين من إمكانية الوصول إلى رواتبهم. والدينار يخسر قيمته. فيما يتنامى اقتصاد الظل والفساد المستشري.

وتهدد الانقسامات السياسية كذلك تماسك المؤسسات المالية السيادية، مثل المصرف المركزي والشركة الوطنية للنفط والهيئة الليبية للاستثمار. كما أنه من الصعب إصدار موازنة واقعية ومشتركة لليبيا بأجمعها.

إن الفراغ السياسي يؤدي إلى تعقيد الجهود الرامية إلى إنشاء قوة أمنية موحدة، كما أنه شجع البعض على الدعوة إلى حل عسكري للأزمة الليبية.

السيدة الرئيسة، 

إن التاريخ لا يتسامح مع الفراغ في السلطة. وما انفكت الجماعات المسلحة تكتسب قوة فيما تشهد ليبيا عنفاً جديداً ومتصاعداً.

إن المكاسب التي تم تحقيقها ضد الجماعات الإرهابية، بما في ذلك في بنغازي وسرت، ستذهب هباء في نهاية المطاف إن استمرت بعض الأطراف في السعي إلى السلطة على حساب المؤسسات والمجتمع المدني.

كما أن التنافس على السيطرة على الموارد الطبيعية سيقوم بإشعال عنف جديد إن لم تتم معالجة الأسباب الجذرية.

إن استخدام العنف للحصول على أهداف قصيرة الأمد يجب أن ينتهي. 

آن الأوان للعودة إلى السياسة 

وآن الأوان لمعالجة القضايا الأساسية.

وآن الأوان للعودة إلى روح الصخيرات.

السيدة الرئيسة،

بما أنني عملت على ملف ليبيا منذ توقيع الاتفاق السياسي، فإنني على قناعة بأن ليبيا لن تحل مشكلتها لوحدها. فهي بحاجة إلى دعم قوي وموحد ومتسق ومتين وملموس من المجتمع الدولي. 

- عمل والتزام، لا أوراق واجتماعات وورش عمل فقط
- شراكة، لا تدخل
- علاج، لا مسكن

أرجو أن تسمحوا لي باقتراح سبع نقاط موجزة حول سبل المضي قدماً لنظر المجلس.

سبع خطوات للوصول إلى السلام

أولاً: يجب أن يبقى الاتفاق السياسي الليبي الإطار الذي يتعين العمل ضمنه للتوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض.

وإنني مستبشر بأن جميع الأطراف المعنية الهامة والغالبية العظمى من السكان الليبيين تتشاطر الرأي ذاته. دعونا نستفيد من هذا التوافق.  

وقد أكد كل من رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب التزامهما، وكذلك قائد الجيش الوطني الليبي، المشير حفتر، خلال اجتماعنا يوم الخميس الماضي في بنغازي. وأعرب رئيس مجلس الدولة عن موافقته على ذلك، وهذا ما فعله تقريباً جميع ممثلي المؤسسات والدوائر الانتخابية الهامة.

الاتفاق ليس مثالياً. وهناك توافق حول الحاجة إلى إدخال تعديلات.

ولا يمكن أن يقوم بهذه التعديلات سوى الليبيون أنفسهم.

نحن نعمل على إيجاد توافق في الآراء بشأن الآلية اللازمة لتمكين إجراء هذه التعديلات.

يجب أن تكون هذه العملية شاملة للجميع ولا بد أن يكون لدى أولئك الذين يتخذون القرارات القدرة والالتزام اللازمين لتنفيذ قراراتهم.

ثانياً: يجب على جميع الجهات الأمنية الفاعلة الكفّ عن أي عمل قد يكون سبباً في اندلاع العنف والتصعيد.

يجب أن تخفيف الجو المشحون في ليبيا إذا ما أريد استئناف المناقشات السياسية.

فالسعي إلى توسيع نطاق السيطرة عن طريق العنف يتسم بقصر النظر ويؤتي بنتائج عكسية.

إنني أشعر بقلق خاص إزاء التطورات في جنوب ليبيا على الصعيدين العسكري والإنساني على حد سواء. إذ ليس بمستطاع الجنوب الذي يعاني من قدر كبير من الإهمال تحمّل المزيد.

لن تكون هناك وحدة من خلال العنف. لذا فإن الأطراف بحاجة إلى اتخاذ خطوة إلى الوراء والتحدث مع بعضها البعض.

ثالثاً: يجب يتم بشكل عاجل تنشيط المسار الأمني الرامي إلى تحقيق الاستقرار في الأوضاع وإيجاد الظروف اللازمة لتشكيل جهاز أمني موحد.

وفي حين أن التقدم المحرز في مجال الأمن يكون أكثر فاعلية عندما يقترن بالتقدم المحرز على صعيد المسار السياسي، فإنه يغدو من الواجب اتخاذ خطوات لبناء الثقة الآن وفوراً. 

ويعدّ تشكيل لجنة في طرابلس للإشراف على وقف إطلاق النار أساساً جيداً للمضي قدماً في ترتيبات أمنية أكثر تنظيماً للمدينة كما يمثل أيضاً وسيلة لتعزيز سلطة المجلس الرئاسي.

رابعاً: من الضروري تحقيق الاستقرار في الأوضاع الاقتصادية والمالية للبلاد. 

لقد شكل الاتفاق على إطار الميزانية لعام 2017 خطوة هامة إلى الأمام. ومع ذلك، يجب تحسين آليات الميزانية والمالية العامة بغية ضمان التمويل الموحد والعادل للخدمات والاقتصاد، مع توزيع الأموال بصورة عادلة وشفافة على جميع مناطق ليبيا.

وفي هذا الصدد، أحث على إقامة مزيد من التعاون البنّاء بين المؤسسات المالية والاقتصادية الليبية والمجلس الرئاسي.

خامساً: يجب إدماج المصالحة الوطنية بشكل حاسم على جميع المستويات.

إذ تمثل قدرة القادة الليبيين على التوسط في اتفاقات وقف إطلاق النار على الصعيد المحلي ميزة كبيرة، وقد حالت دون أن يتسبب الكثير من الشرر في إشعال الحرائق.

وسيبدأ الليبيون قريباً مبادرة شاملة للمصالحة الوطنية من القاعدة إلى القمة بدعم من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
 
سادساً: بدء تحسين الخدمات العامة والأمن والحكم الرشيد على المستويات المحلية.

ففي بلد ذي إرث من المؤسسات الوطنية الضعيفة، تبقى السلطات المحلية من بين الجهات الفاعلة الأكثر احتراماً وفعالية.
ويجب علينا دعمها.

إذ يجب إعطاء عمداء البلديات المنتخبين بصورة ديمقراطية السلطة والأموال والمسؤولية.  

وفي هذا السياق، من الأهمية بمكان أن يكون الشركاء الدوليون على استعداد لدعم المجلس الرئاسي، إذا طُلب منهم ذلك. وأيضاً أن يقوموا بإرسال الخبرات لتعمل على أرض الواقع.
 
وتتسم نقطتي السابعة والأخيرة بأهمية خاصة: حيث أتمنى أن يتحرك المجتمع الدولي خارج إطار الاحتواء. 

إذ إن التركيز على مكافحة الإرهاب والهجرة وحدهما غير كافٍ.

فالهجرة والإرهاب ما هما إلا أعراض وليسا الأسباب الجذرية. 

وأود أن أعرب عن امتناني للمبادرات والجهود العديدة التي بذلتها على وجه الخصوص دول الجوار والمنظمات الإقليمية طوال الأسابيع والأشهر الماضية من أجل التقريب بين الأطراف السياسية والعسكرية.

وأعتقد أن الوقت قد حان الآن لكي تأخذ الأمم المتحدة زمام المبادرة مرة أخرى.

فالأمم المتحدة تتمتع بمكانة فريدة في ليبيا.

بيد أننا بحاجة إلى الدعم الموحد من مجلس الأمن والمجتمع الدولي الأوسع نطاقاً.

إن نساء ورجال ليبيا، شيباً وشباباً، وشيوخها الحكماء وشبابها النابض بالحياة يستحقون حياة أفضل ويستحقونها الآن.

السيدة الرئيسة،
أعضاء المجلس الموقرين،

أود مرة أخرى أن أشكر مجلس الأمن على دعمه الثابت لزملائي ولي. والسيد السفير، أود أن أشكركم والمجلس الرئاسي وجميع الأطراف الفاعلة في كل ليبيا شرقا وغربا وجنوباً وفي جميع أرجاء البلاد. أشكركم جزيل الشكر على دعمكم للاتفاق السياسي الليبي وأخيراً على الفرصة والثقة التي منحتموها لنا جميعاً في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لخدمة شعب ليبيا.

شكراً جزيلاً.