بيان من مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين في ختام زيارته إلى ليبيا

12 أكتوبر 2017

بيان من مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين في ختام زيارته إلى ليبيا

صور زيارة المفوض السامي لطرابلس / فيديو

 

جنيف، 12 تشرين أول/أكتوبر 2017 - لم ينجح أي مفوض سام من قبل في القيام بزيارة رسمية إلى ليبيا لمناقشة وضع حقوق الإنسان أثناء فترة معمر القذافي أو السنوات التي تلت نهاية فترة حكمه الدكتاتوري.

لذا، حتى لو لم يسمح ا الوضع الأمني بأن أعلن مسبقا عن مهمتي الرسمية الوجيزة إلى ليبيا يوم الثلاثاء، إلا إنني على الأقل تمكنت من القيام بالزيارة وعقدت جولة من المحادثات المفيدة مع رئيس الوزراء، فايز السراج، ووزيري  العدل والداخلية، ورئيس الإدارة المسؤولة عن إدارة مراكز احتجاز المهاجرين. وتمكنت أيضا من القيام بزيارة وجيزة إلى أحد السجون الرئيسية بالبلاد ومخيم للنازحين. كما تم اثراء هذه الرحلة بمزيد من المعلومات خلال اجتماع مفيد للغاية مع منظمات مجتمع مدني ليبية ومدافعات عن حقوق الإنسان.

أود أن أشكر رئيس الوزراء على دعوتي إلى ليبيا، والضيافة التي تلقيتها خلال وجودي في طرابلس. كما أقدر المساعدة التي قدمها الممثل الخاص للأمين العام، غسان سلامة، وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.

وكانت الزيارة قصيرة للغاية ولكنها مهمة. وكانت تهدف إلى الحث على الحوار المثمر، والامل باستدامته، بالإضافة الى وضع إجراءات ملموسة يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى تحسن كبير في حياة الشعب الليبي.

وبالطبع، لا يمكن في يوم واحد أن نغطي جميع قضايا حقوق الإنسان التي تؤثر على البلاد، لذا اخترت أن أركز على الاحتجاز التعسفي، والتعذيب والانتهاكات الأخرى الجسيمة الملحة بشكل خاص.

وخلال الاجتماعات، أبرز المسؤولون مرارا التزام ليبيا بضمان حماية حقوق الإنسان. وأنا أرحب بهذه الالتزامات، وأشير بكل تقدير إلى أن جهوداً قد بذلت لتيسير زيارات المكلفين بولايات الإجراءات الخاصة.

كما سلط المسؤولون الضوء على التحديات الكبيرة في ليبيا بسبب سنوات من العنف وعدم الاستقرار، وانهيار شبه تام لسيادة القانون، وانتشار المجموعات المسلحة، وتدهور الوضع الإنساني والنزوح الداخلي لمئات الآلاف من الأشخاص بالإضافة إلى الخلل الكبير في توفير الخدمات الأساسية للسكان.

وأقدر تماما حجم هذه التحديات، واستمعت إلى كيفية تأثيرها على قدرة الحكومة في الاضطلاع بواجباتها والوفاء بها. وفي الوقت نفسه، قدمت مقترحات في المجالات التي يمكن فيها إحراز تقدم تدريجي إذا ما اتخذت الإجراءات المناسبة.
وعلى الرغم من الآمال الكبيرة التي أعقبت ثورة 2011، لا يزال وضع حقوق الإنسان في ليبيا يتسم بانتهاكات واسعة النطاق يرتكبها جميع أطراف النزاع مع إفلات تام من العقاب.

ويحتجز الآلاف من الأشخاص تعسفيا في مراكز الاحتجاز في جميع أنحاء البلاد، بعضهم منذ النزاع المسلح في عام 2011، مع تعرض الكثير منهم إلى التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة. وتقوم المجموعات المسلحة بالقتل غير المشروع واحتجاز المدنيين والمحاربين كرهائن. ويقتل ويصاب المدنيين من الرجال والنساء والأطفال كل أسبوع جراء الاستخدام العشوائي للسلاح. ومع ذلك، نادرا ما تجد هذه الجوانب من وضع حقوق الإنسان في ليبيا، طريقها إلى العناوين الرئيسية.

كما رسم النازحون وممثلو المجتمع المدني صورة قاتمة للانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها الجماعات المسلحة والافلات من العقاب الذي يتمتعون به حاليا. إن أعمال الجماعات المسلحة تعرقل إحراز أي تقدم ملموس نحو الاستقرار والتنمية والسلام في البلاد.

وخلال العديد من محادثاتي، بما في ذلك مع رئيس الوزراء، ووزير العدل ووزير الداخلية، أثرت الوضع السيء داخل مراكز الاحتجاز في انحاء البلاد. وسعدت أن أرى التزامهم بالعمل مع الأمم المتحدة وغيرها نحو التطبيق الكامل للمعايير الدولية، مثل قواعد مانديلا. وقد أثرت مع المسؤولين بشكل مباشر ضرورة إحراز تقدم سريع في فحص ملفات المحتجزين احتياطيا لضمان تقديمهم إلى المحاكمة أو الإفراج عنهم. كما أثرت أيضا الحاجة إلى المساءلة داخل نظام السجون ودعوت للسماح لمراقبي حقوق الإنسان بالدخول دون قيود إلى الأماكن التي يحتجز فيها المشتبه بهم والمحكوم عليهم.

وتشكل المراكز المنفردة، مثل مركز معيتيقة للاحتجاز مصدر قلق خاص بسبب التقارير المروعة الواردة منه. ويحتاج الوضع هناك إلى معالجة عاجلة، شأنه في ذلك شأن مرافق أخرى تتوطن فيها الانتهاكات.

وأدعو الحكومة إلى وضع خطة عمل لإنهاء الاحتجاز التعسفي في البلاد، تشمل نقل المحتجزين إلى سجون تحت إدارة الشرطة القضائية التابعة لوزارة العدل، والإفراج عن المحتجزين لفترة مطولة والذين لم يقدم ضدهم أي دليل بارتكاب فعل إجرامي أو تم احتجازهم دون مسوغ قانوني وكذلك فحص جميع المحتجزين.

ولم تكن تبعات الإفلات من العقاب لتظهر بصورة أوضح من الحديث مع المدافعين عن حقوق الإنسان. وأخبرني مدافعو حقوق الإنسان عن التخويف والاعتداءات ضدهم والافتقار إلى الحماية وإفلات مرتكبي هذه الاعتداءات من العقاب. وقد استمعت إلى تعرض النساء المدافعات عن حقوق الإنسان للتخويف والانتهاكات الخطيرة وكيف يتم اختطاف وقتل نشطاء المجتمع المدني من قبل المجموعات المسلحة. واضطر الكثير منهم إلى الفرار أو التوقف عن عملهم.  

ومع ذلك، لا يزال الكثير من الليبيين يتحدثون بشجاعة ويعملون باسم حقوق الإنسان. وإنني أحيي شجاعتهم، وسيسعى مكتبي للوقوف بجانبهم وهم يواصلون عملهم.

وتعكس حالة المدافعين عن حقوق الإنسان نقصا خطيرا في الحماية للعديد من الفئات التي تعاني من أوضاع ضعيفة في ليبيا. وقد تحدثت إلى النازحين من مجتمع التاورغاء الذين أخبروني بالظروف السيئة والحماية المحدودة التي عانوا منها أثناء إقامتهم في المخيمات على مدى السنوات الست الماضية. ومنذ توقيع اتفاق بين مجتمعي تاورغاء ومصراته بشأن العودة المحتملة، وموافقة الحكومة على الاتفاق في حزيران/يونيو، أفادوا بأنه لم يكن هناك تقدم يذكر نحو الوفاء بحقهم في العودة إلى ديارهم. وهناك حاجة إلى إشارات إيجابية قريبا لضمان العودة المستدامة لأهالي تاورغاء إلى ديارهم في أمان وكرامة.

كما ناقشت أيضا مع السلطات الوضع المقلق للمهاجرين في ليبيا، وتم ذلك بشكل مباشر مع السيد رئيس الوزراء، ووزير الداخلية، ورئيس الإدارة المسؤولة عن الهجرة.

وأدعو الحكومة إلى إيجاد بدائل للاحتجاز في ليبيا، ووقف ممارسة الاحتجاز التعسفي، وضمان المساءلة عن الانتهاكات التي ترتكب ضد المهاجرين في مراكز الاحتجاز. وأشارت السلطات إلى إغلاق أحد مراكز الاحتجاز في صرمان، حيث كانت هناك مزاعم خطيرة بارتكاب سوء الاستغلال الجنسي. ونعتزم العمل مع الحكومة للتأكد من إغلاقه.

إن تحديات حقوق الإنسان في ليبيا ضخمة، لكنها ليست مستعصية على الحل. إن شبه الانهيار الواسع النطاق في نظام العدالة، وسلطة الجماعات المسلحة وتأثيرها، والتحديات العديدة التي تواجهها الحكومة حقيقية. غير أن باستطاعة الحكومة أن تتولى زمام القيادة بل وينبغي لها ذلك. ويمكنها أن تبدأ بمكافحة الاحتجاز التعسفي واستعادة السلطات الممنوحة للجماعات المسلحة. ويمكن معالجة الأوضاع في مراكز الاحتجاز. ويمكن للجهود المتضافرة التي تبذلها الحكومة وجميع أصحاب المصلحة، بما في ذلك الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، أن تحرك الأمور وأن تحسن الأوضاع.

ومن الأهمية بمكان التصدي للتحديات ومواصلة بذل الجهود لإحراز تقدم، مهما كان صغيرا، مهما كان صعبا، نحو المساءلة. فكل من قابلته خلال الزيارة، أعرب عن رغبته في تحسين تطبيق سيادة القانون بدءا من رئيس الوزراء نفسه، والوزراء، والمجتمع المدني، والمدافعات عن حقوق الإنسان لأولئك في مخيمات النازحين.

ويشاطرني الممثل الخاص للأمين العام القناعة بأن حقوق الإنسان وإعادة إرساء سيادة القانون والحاجة إلى مكافحة الإفلات من العقاب يجب أن تكون جزءا لا يتجزأ من العملية السياسية وأن ذلك من شأنه أن يعزز التوصل إلى تسوية سياسية مستدامة في ليبيا.

وإنني متفائل بأن انفتاح الحكومة وتنفيذ خطة العمل التي أعلن عنها الأمين العام وممثله الخاص في الشهر الماضي في نيويورك سيحققان نتائج إيجابية وملموسة في جهودنا الرامية إلى دعم تحسين حقوق الإنسان في ليبيا. وسنواصل تقديم دعمنا لتحقيق هذه الغاية.