تأمين الذخيرة في ليبيا، خطوة نحو تحسين السلامة العامة

previous next
15 يوليو 2013

تأمين الذخيرة في ليبيا، خطوة نحو تحسين السلامة العامة

إن بناء مستودع للذخيرة قد لا يبدو أولوية بالنسبة لكثير من الليبيين الذين يواجهون تحديات المرحلة الانتقالية لما بعد الثورة التي اتسمت بالانقسامات السياسية والاشتباكات المسلحة، فضلا عن زيادة الاضطرابات في قطاع إنتاج النفط الذي يمثل شريان الحياة الاقتصادي في البلاد.

غير أن قيام الأمم المتحدة والحكومة السويسرية بإنشاء مواقع آمنة لتخزين الذخيرة يعد أمراً ضرورياً بالنسبة للمدن والبلدات حيث يتم تخزين الأسلحة والذخيرة في مناطق مأهولة بالسكان وفي بيئة غير آمنة وغير ملائمة، على الرغم من أن هذا يمثل حلاً مؤقتاً لمشكلة كبيرة في بلد تنتشر فيه الأسلحة والذخائر غير المؤمنة منذ الصراع الذي نشب في عام 2011.

وفي 2 تموز/يوليو، تم افتتاح مستودع مؤقت للذخيرة، وهو المستودع الأول من نوعه في ليبيا في مرحلة ما بعد الثورة. وتم

صورة لبناء منشأة لتخزين الذخائر على وشك الإنتهاء

بناء هذا المستودع في مدينة مصراتة، المدينة التي تقع على الساحل الغربي للبلاد والتي وقع عليها جام غضب قوات القذافي أثناء ثورة 2011.

وقال العقيد يوسف عبد الجواد, ممثّل رئاسة الأركان العامّة في الجيش الليبي, "لقد عملنا مع فريق دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام منذ شهر مارس 2011, وقد نجحنا معاً بتقليص خطر الألغام ومخلّفات الحرب عن السكّان المدنيين".

وأضاف، "إنّ حجم المشكلة كبير, ونحن بحاجة الى جهود مستمرّة من أجل التخلّص من خطر الألغام والذخائر غير المنفجرة, وكذلك الخطر الناتج عن الذخائر غير المؤمّنة. وإنّنا نثمّن عالياً الدعم الذي تقدّمه الأمم المتّحدة في هذا الإطار".

وقال العقيد محمد الترجمان من صنف الهندسة والمسؤول عن الأعمال المتعلّقة بالألغام في مدينة مصراته, "إن هذا الحفل قد يبدو متواضعاً في مظهره إلا أنه كبير من حيث أهميته، فهو بمثابة رسالة إلى المسؤولين عن إعادة بناء ليبيا بأهمية حماية مستقبل البلاد".

ومن منظور وضع سلامة المدنيين موضع الأولوية، تقوم الأمم المتحدة بمساعدة الليبيين في مجال إدارة الذخيرة. ويعد هذا الدور مشابهاً لدورها الذي تقوم به على صعيد تقديم برامج التدريب والمشورة لمكونات قطاع الأمن الأخرى، والمساعدة التي تقدمها على المستويات السياسية وتلك المتعلقة بحقوق الإنسان وسيادة القانون والعدالة الانتقالية والإعلام.

وفي سياق افتتاح الموقع المؤقت لتخزين الذخيرة في مصراته، قال السيد بول هيسلوب، رئيس تخطيط البرامج والعمليات لدى دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في نيويورك "إن أولويتنا هي السلامة العامة."

مدير دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام ، بول هيسلوب، يلقي كلمة في حفل تدشين منشأة تخزين ذخائر بتمويل سويسري في مصراته

وأضاف، "إذا لم نفعل شيئاً، فسيصبح خطر حدوث انفجارات داخل المدن أكبر"، مبيناً مزايا نقل مخازن الذخيرة المخبأة حالياً

في المنازل الخاصة والمحلات التجارية في المناطق المأهولة بالسكان إلى مواقع نائية.

وفي شهر شباط/فبراير عام 2013، ذكر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في تقريره إلى مجلس الأمن بشأن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بأن الذخيرة غير الآمنة، والمتفجرات من مخلفات الحرب والأسلحة المخزنة، بما في ذلك الأسلحة الصغيرة والخفيفة والأسلحة والمواد الكيميائية، لا تزال تشكل خطراً كبيراً على الشعب الليبي وعلى أمن المنطقة. وقال إن الأمم المتحدة لا تزال تلعب دوراً نشطاً في مجال التدريب وإدارة الذخيرة والتوعية بطرق البحث عن الذخائر المنفجرة والتخلص منها مع وزارتي الدفاع والداخلية.

وجرى التشديد مرة أخرى على أهمية إدارة الذخيرة في قرار مجلس الأمن 2095 (آذار/مارس 2013)، الذي مدد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. حيث شملت ولاية البعثة مهام دعم الجهود الليبية لمكافحة الانتشار غير المشروع لجميع الأسلحة والمعدات ذات الصلة بكافة أنواعها، ولا سيما الأسلحة الثقيلة والخفيفة، والأسلحة الصغيرة وصواريخ أرض - جو المحمولة على الكتف، بما في ذلك من خلال وضع استراتيجية منسقة في هذا الصدد لإزالة مخلفات الحرب من المتفجرات، وتنفيذ برامج إزالة الألغام والتخلص من الذخائر التقليدية، وتأمين وإدارة الحدود الليبية، وتنفيذ الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالأسلحة والمواد الكيميائية والبيولوجية والنووية، وذلك بالتنسيق مع وكالات الأمم المتحدة المعنية، ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، والشركاء الدوليين والإقليميين.

وتم بناء المستودع في مصراتة وفقاً لنموذج تم تصميمه وبناؤه بحسب المعايير الدولية تحت إشراف ليبيا والأمم المتحدة وبتمويل من الحكومة السويسرية، وبلغت تكلفته 000 200 دولار. ويتميز المستودع، الذي تم بناؤه في موقعيْن تبلغ القدرة التخزينية لكل منهما 200 طن من المواد المنفجرة، بأسطح مصنوعة من الخرسانة المسلحة ومحاطة بجدار رملي. ويجري حالياً بناء مستودع آخر تحت إشراف رئيس الأركان العامة للجيش.

وقال بول هيسلوب، رئيس تخطيط البرامج والعمليات لدى دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام، أن "كل موقع عسكري بحاجة إلى منشأة تخزين آمنة قادرة على تخزين أي شيء بدءاً من الأسلحة الصغيرة إلى المواد شديدة الانفجار، وإلا فسيكون لدينا حالات مثل انفجارات برازافيل (الكونغو) التي أدت إلى وفاة أكثر من 200 شخص وإصابة 2000 آخرين وتهجير 000 200 نازح".

وكما هو الحال في الكونغو، وقعت العديد من الانفجارات الخطيرة الخارجة عن السيطرة في العاميْن الماضييْن في مستودعات غير خاضعة للرقابة في ليبيا. وكان أحد أخطر هذه الحرائق التي وقعت مؤخراً حريق كبير نشب في مدينة البريقة على الساحل الشمالي في شهر أيار/مايو. ويعتقد الخبراء أن معظم ذخيرة الجيش الليبي هي روسية الصنع في الأصل وقد وصلت إلى نهاية عمرها الافتراضي. ويتزامن هذا مع الاتجاه المتصاعد في العالم فيما يتعلق بالانفجارات الخارجة عن السيطرة بسبب قِدَم مخزون الذخيرة.

وأضاف هيسلوب أن تكلفة تطهير آثار الانفجارات في برازافيل كانت "عشر مرات أكبر من تكلفة بناء منشأة تخزين آمنة".

كما وضح هيسلوب أهداف دعم برامج إدارة الاسلحة والذخيرة، مفنداً بذلك ادعاءات المنتقدين القائلة أن مثل هذه الإجراءات قد تؤدي إلى تعزيز قدرات الجماعات المسلحة غير الشرعية وتمكنها من مواصلة تحديها للدولة.

وأضاف هيسلوب، "لقد اقتصر عملنا هذا على الجماعات المسلحة التي أضفت عليها الحكومة الليبية صفة الشرعية" وحيث تعتبر السلامة العامة أولوية.

وقال الترجمان من صنف الهندسة في الجيش الليبي أثناء خطاب ألقاه بحضور مسؤولين من الأمم المتحدة والحكومة السويسرية والجيش ومسؤولين محليين، " تعاني العديد من المناطق الأخرى في ليبيا من سوء التخزين، ونسأل الله أن يوفقنا في حل هذه القضايا".

منشأة تخزين الذخائر ممولة من الحكومة السويسرية بدعم من الأمم المتحدة

وتبحث حالياً دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام عن مصدر تمويل من أجل البناء على هذه الخطوة الأولى وذلك من خلال تنفيذ برامج مستدامة وسليمة بيئياً مكونة من ثلاث خطوات للتخلص من الذخيرة من خلال إزالتها من الأراضي المتضررة، وتدمير الذخائر منتهية الصلاحية، واستصلاح المواد التي يمكن إعادة تدويرها، وختاماً بناء مستودعات تخزين آمنة.

وقال هيسلوب من دائرة الأعمال المتعلقة بالألغام "ليس من حقنا أن نأتي من الخارج لنقول لليبيين كيف يحلون مشاكلهم، نحن نبحث عن شراكة مع الليبيين وندعم الحلول الليبية".

وقالت الدائرة أن هناك عجزاً يقدر بـ 19.7 مليون دولار في ميزانية عام 2013 التي تغطي 25 مشروعاً في ليبيا على صعيد الأعمال المتعلقة بالألغام وإدارة الأسلحة والذخيرة. كما ناشدت دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام الليبيين والمجتمع الدولي سد هذا النقص في التمويل من أجل دعم الحكومة الليبية للتصدي للتهديد الناجم عن الذخائر غير المنفجرة وانتشار الأسلحة غير المشروعة ومناطق التخزين غير الآمنة للذخيرة.

وذكر السيد ديك إنجلبرشت، كبير مسؤولي دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في ليبيا، بمناسبة إطلاق استعراض منتصف العام 2013 للملف الليبي الذي أقيم في 7 تموز/يوليو في السفارة البلجيكية، "لقد أحرزنا تقدماً ملحوظاً على صعيد تحرير البنية التحتية الأساسية والأراضي الزراعية من الذخائر غير المنفجرة، ولكن هناك حاجة إلى تضافر الجهود المبذولة لإدارة الأسلحة والذخيرة من أجل ضمان الأمن على المدى الطويل في ليبيا والدول المجاورة".