كلمة الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا طارق متري في ندوة بعنوان"حقوق الإنسان في الدساتير"

18 ديسمبر 2013

كلمة الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا طارق متري في ندوة بعنوان"حقوق الإنسان في الدساتير"

18 ديسمبر 2013

الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا طارق متري يلقي كلمة خلال منتدى لحقوق الإنسان قامت بتنظيمه لجنة حقوق الانسان في المؤتمر الوطني العام وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، 18 دسمبر 2013. (ياسون اثانسيادس / اونسميل)

سيدي النائب الأول لرئيس المؤتمر الوطني العام
سيدتي رئيسة لجنة حقوق الانسان في المؤتمر الوطني العام
السيدات والسادة أعضاء المؤتمر الوطني العام،
الحضور الكريم،

يطيب لي ان اشارك اليوم الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الانسان والذي تنظمه لجنة حقوق الانسان بالمؤتمر الوطني العام بالتعاون مع قسم حقوق الانسان والعدالة الانتقالية وسيادة القانون ببعثة الامم المتحدة للدعم في ليبيا بعنوان "حقوق الانسان في الدساتير". فكما تعلمون اعتمد في هذا اليوم من العام 1948 الاعلان العالمي لحقوق الانسان. وهو ما يدعونا كل عام للعودة اليه، لا لمجرد التعريف به نصاً مرجعياً فحسب، بل لانه بات بنظر الكثيرين حمالاً لقيم انسانية مشتركة ولمعايير في الحكم على افكار وممارسات تتعلق بحرية الانسان وكرامة الشعوب. كما يصادف اليوم الذكرى العشرين لاعلان فيينا الصادر عن المؤتمر الدولي لحقوق الانسان في العام 1993 وهو علامة بارزة في مسار متواصل وطويل.

ان مسألة الضمانات الدستورية لحقوق الانسان تكتسي اهمية قصوى في هذه المرحلة من تاريخ ليبيا، حيث ما زال الليبيون يجهدون للتعامل مع ارث ثقيل لاربعة عقود عرفت انتهاكات مستمرة وممنهجة لحقوق الانسان. وها هم يجنون معاً ثمار ثورة انتزعت حريتهم من المستبدين، الاّ انها لماّ تضمّد جراحهم كلها. ولن يتحقق ذلك الا بوضع اسس متينة للدولة الليبية الحديثة عمادها احترام حقوق الانسان وسيادة حكم القانون والمصالحة الوطنية القائمة على الكشف عن الحقائق والمحاسبة.

وبطبيعة الحال يأتي إصدار المؤتمر الوطني لقانون العدالة الانتقالية خطوة مهمة على هذه الطريق، بعد ان سبقه قانون تجريم التعذيب والإخفاء القسري والتمييز. لكنه لا يخفى علينا جميعاً ان الليبيين يتطلعون الى وضع هذه القوانين في موضع التنفيذ. ويستدعي ذلك جهوداً اضافية على صعيد تحديد الكيفيات والاجراءات. واننا مستعدون لتقديم المشورة الفنية دعماً لتلك الجهود.

وفي سياق متصل، ارحب بالمصالحات في بعض المدن الليبية واخص بالذكر الافراج عن بعض المحتجزين، كما حدث اخيراً في الزاوية من اطلاق سراح العشرات من بينهم بعض اعضاء المجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة. ويحدونا الأمل ان يأتي هذا الافراج فاتحة لاطلاق اعداد كبيرة من المحتجزين او احالتهم للقضاء، كما نصّ قانون العدالة الانتقالية.

أيها الاصدقاء،

لقد بات لاحقاق الدول لحقوق الانسان معياراً رئيسياً في تقييمها ومن اهم شروط احترامها بين الامم. ودفعها ذلك الى انشاء منظمات وطنية مستقلة لحقوق الانسان تحظى بدعم الدولة مع الحفاظ على استقلاليتها. وباتت ليبيا في عدادها، منذ ان تأسس المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الانسان والذي شهد تطوراً ملحوظاً خلال السنة الاخيرة يستحق التنويه والتأييد.

من جهة ثانية، فأن القوى الحية في المجتمع، بمنظماتها وناشطيها، تسهم كبير المساهمة في بناء دولة القانون والحريات. فممّا لا شك فيه ان الحرية في ليبيا اتاحت الفرصة لظهور العديد من المنظمات الحقوقية المهتمة بنشر الوعي وثقافة حقوق الانسان في المجتمع، بالاضافة لاضطلاعها في رصد وكشف الانتهاكات التي تقع في أماكن الاحتجاز غير الشرعية. وهي، اذ ما زالت في اول مسيرتها، تستحق الرعاية والدعم.

سيداتي سادتي،

بات شائعاً ان تحتل مسألة حقوق الانسان المكانة التي تليق بها في الدساتير. ذلك ان الدساتير بمثابة عقد اجتماعي يستند الى القيم المشتركة التي تحدّد وعي الذات الوطنية. ولا غرابة في ان ينحو الليبييون هذا النحو فيما يستعدون للدخول في عملية صياغة الدستور الجديد. ففي الدستور الجديد نرى صورة ليبيا الجديدة. ولا تكتمل الصورة من دون اعلاء حقوق الانسان وضمان احترامها في كل مجالات الحياة الوطنية. ولعّل تضمّن نصّ الدستور فقرات عن حقوق الانسان، تكون مدماكاً من مداميك دولة القانون الليبية الجديدة، يكتسب معناه كاملاً اذا ما جاء تعبيراً عن اجماع وطني. فالاجماع هذا مدعو ان يكون حافزاً لالتزام فئات واسعة من الليبيين، فكراً وممارسة، اهداف ثورتهم ضد الطغيان، الذي هو الوجه الآخر لحرمان المواطنين من حقوقهم المدنية والسياسية ولا بد لهذا الاجماع من ان يتكوَّن في الشهور المقبلة، وعلى ايقاع تصويب الممارسة وتعميق التجربة، فلا يكون وليد لحظة او مجرد نتاج لعمل الاختصاصيين بل مندرجاً زمن اطول، زمن الاعداد وزمن المتابعة، وتعبيراً عن تطلعات فئات واسعة من المواطنين، نابعة ممّا قاسوه واختبروه وما باتوا متعلقين به.

تبقى كلمة رجاء ان تتضافر الجهود، بلا تأخر ولا تعثر، وان يوفقكم الله في مسعاكم ويحفظ ليبيا حرة ابيّة.
والسلام عليكم