الليبيون الشباب يخاطرون بالكثير من أجل الحديث عن المصالحة

19 مايو 2017

الليبيون الشباب يخاطرون بالكثير من أجل الحديث عن المصالحة

لم يكن يوسف مرده ساذجاً بشأن المخاطر التي تنتظره عندما انطلق في رحلة طويلة من مدينته الكفرة، التي تقع في عمق الصحراء الكبرى، باتجاه أقرب مطار مدني صالح للعمل على بعد أكثر من ألف كيلومتر. لقد كان متجهاً صوب تونس لحضور ورشة عمل حول المصالحة. ولكن لكي يصل إلى هناك كان عليه اجتياز مناطق غير آمنة.

أرسل مرده متعلقاته الثمينة المتمثلة في حاسوب شخصي وهاتف ذكي قبله لكي يتفادى مصادرتها في إحدى نقاط التفتيش التي تسيطر عليها ميليشيات غير خاضعة للمساءلة منتشرة على طول الطريق إلى مدينة أجدابيا الواقعة على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وبمجرد أن استعادها على الساحل، قام باستئجار سيارة وتفادى منطقة النزاع في بنغازي ليصل إلى البيضاء ومنها إلى مطار الأبرق حيث استقل طائرة إلى تونس. 

وقال مرده "لقد كانت رحلة مضنية وخطيرة، ليس بالنسبة لي فقط بل بالنسبة لأولئك المضطرين للسفر حيث يجب عليهم اجتياز منطقة هي عبارة عن منطقة نزاع عرقي". وأضاف "بما أنني هنا الآن، آمل أن يكون بمقدورنا التوصل إلى أولويات مشتركة لصنع السلام في ليبيا والنظر في كيف يمكننا مساعدة بعضنا البعض".

ومرده هو أحد المشاركين الثلاثين الذين جاؤوا من كل قطاعات المجتمع الليبي ليجتمعوا في تونس للمشاركة في دورة مشاورات عقدها نادي الحوار والنقاش الليبي و H2Oوسما بدعم من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وذلك كجزء من مشروع حول المصالحة الوطنية في ليبيا يدعمه صندوق بناء السلام.

وقال محمد حمودة، الذي يعيش في طرابلس وهو مؤسس المجموعة الإعلامية الشبابية H2O وأحد ميسري الاجتماع "نحن نتناقش بشأن المشاكل التي تسهم في النزاعات في ليبيا ونتطلع بنظرة إيجابية إلى المستقبل لوضع الأساس للمصالحة".

ويعد الاجتماع جزءاً من المشاورات التمهيدية التي سوف تسهم في رسم خارطة طريق لمصالحة وطنية تشمل الجميع وذلك من خلال عقد جلسات تشاورية متعددة مع ممثلين من جميع قطاعات المجتمع الليبي. ويأتي اجتماع تونس في أعقاب اجتماعات أخرى انعقدت في تونس ومالطا خلال الأشهر العشرة الماضية وضمت قيادات قبلية وأعضاء في المجتمع المدني وأكاديميين وشباب وأقليات وناشطات نساء. وفي آذار/مارس تم تشكيل "لجنة فنية استشارية" مكونة من 20 خبيراً يمثلون جميع أوجه المجتمع وتنوعاً في المهارات، وكان الهدف من إنشائها هو مرافقة الأمم المتحدة طوال فترة تنفيذ المشروع وتعزيز الملكية الوطنية. وسبق مشاورات الشباب مشاورة مواضيعية حول النزوح الداخلي وكيفية معالجة هذه القضية ضمن إطار المصالحة الوطنية.

وقال محمد أبو سنينة، أحد نشطاء المجتمع المدني من مدينة مصراتة: "إن وسائل التواصل الاجتماعي في ليبيا منقسمة بحسب المناطق، وهذا يؤدي إلى أنك ستستنتج أن كل من "على الجانب الآخر" يكرهونك، لهذا فإن أكثر ما استمتعت به في هذه الورشة كان مشاهدة حقيقة الليبيين الآخرين". وأضاف: "أعجبني التنوع الثقافي الذي تكشف عندما سقطت الأسوار كما أنني أحببت المناقشة الصريحة مع المكونات الثقافية الأخرى في ليبيا حول ما يريدونه حقاً".


ويمثل الشباب حوالي 50 بالمائة من سكان ليبيا وكانوا هم القوة المحركة لثورة 2011 والاشتباكات المستمرة بين الميليشيات والجماعات المسلحة منذ ذلك الوقت. وقد أثبت عقد اجتماعات لهم ودعم تحركهم ضرورة ديمغرافية وديمقراطية بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن 2250 الذي يسعى لوضع إطار عالمي للسياسات عن طريق الاعتراف بتأثير الصراع على حياة الشباب ودورهم في الأمن والسلام.

وفي عام 2015، أصدر مجلس الأمن القرار 2250، الذي يعترف بدور الشباب في السلام والأمن. ويضع القرار إطاراً عالمياً للسياسات لبحث كيفية تأثير الصراع على حياة الشباب وما الذي ينبغي القيام به للتخفيف من آثاره وكذلك كيفية إشراك الشباب على نحو مجدي في إقامة مجتمعات محلية تنعم بالسلام.

وقال أحمد التواتي، ناشط في المجتمع المدني من بنغازي: "إنني أؤمن إيماناً عميقاً بأن الشباب هم من سيقدم لنا الحلول، لأنهم أكثر المتضررين من العنف كما أن لديهم نظرة أكثر تفاؤلاً من كبار السن".

وتقول فاتن حسن، وهي من الطوارق وأصولها من غدامس وعضو في جمعية أزجر، وهي جمعية نسائية مجتمعية: "لقد استمتعت بالعقلية البناءة التي يتمتع بها الحاضرون الذين يريدون المصالحة ويقبلون بعضهم البعض". واقترحت مجموعتها فكرة تعريف زملائهم الليبيين بالثقافات والهويات غير السائدة من خلال تنظيم جولة موسيقية تقليدية في البلاد مصحوبة بمناقشات حول الهوية والمواطنة.

ويرى مرده، المشارك من الكفرة، أنه على الرغم من أن العديد من النزاعات في ليبيا تعود في جذورها إلى المظالم التاريخية وتلك القائمة بين المجتمعات المحلية، فإن جيله قد بدأ بالفعل في الخروج عن التقاليد، حيث أنهم أكثر تنقلاً وأقل تعلقاً بالأرض على سبيل المثال، وهو أمر يشكل أساس العديد من النزاعات التي تتصاعد لتتطور إلى اقتتال.

وقالت إيناس ميلود، وهي عضو في إحدى المجموعات الناشطة مع مجتمعات السكان الأصليين الليبيين في طرابلس: "آمل أن يلعب الشباب دوراً كبيراً في المصالحة في ليبيا، ليس لأنهم يمثلون الأغلبية فحسب، بل لأن لديهم أيضاً طاقات وإبداعات وحلول يتوجب على الدولة الليبية أن تأخذها بعين الاعتبار".

أعرب مرده وهو يهمّ بالشروع في طريق العودة الطويل إلى دياره عن أمله في أن "تساعد العلاقات التي نبنيها هنا على تعزيز السلام سواء في الكفرة أو في أي مكان آخر وذلك من أجل تعزيز العلاقات المحلية وتحقيق الشعور بالأمن لدى المواطن".