إحاطة من الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا السيد ايان مارتن - اجتماع مجلس الأمن 10أيار/مايو 2012

27 أغسطس 2012

إحاطة من الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا السيد ايان مارتن - اجتماع مجلس الأمن 10أيار/مايو 2012

السيد الرئيس،
تقف ليبيا على أعتاب لحظة حاسمة في عملية انتقالها الديمقراطي، ففي 1 أيار/مايو، بدأت عملية تسجيل الناخبين لانتخابات المؤتمر الوطني – وهي الانتخابات الأولى من نوعها بعد تلك التي جرت منذ أكثر من 45 عاماً في ظل قيود جمة. وبحلول ليلة أمس، أفادت تقارير المفوضية الوطنية العليا للانتخابات أن 000 024 1 ناخب تسجلوا في ما يربو عن 500 1 مركز لتسجيل الناخبين في كافة أنحاء ليبيا.

وسوف أشير لاحقاً إلى الصعوبات التي تواجه العملية الإنتخابية، غير أن هذا إنجاز لا يستهان به.

ولا تزال هناك مؤشرات إيجابية أخرى تدل على أن ليبيا تتجه نحو الديمقراطية. ففي أعقاب الانتخابات المحلية في مصراتة في شباط/فبراير الماضي، قام عدد من المدن الأخرى بوضع خطط لإجراء انتخابات المجالس المحلية، حيث المزمع إجراء بعضها خلال الأسابيع القادمة. ولقد بدأ الليبيون بممارسة حريتهم في التعبير بشكل متزايد: فوسائل الإعلام الحرة تتطور بوتيرة سريعة، فيما يتم إنشاء منظمات المجتمع المدني في كافة أرجاء البلاد – وكثير منها بقيادة الشباب والنساء.
كما أن هناك رغبة قوية لدى الشعب في أن يكون فاعلاً وأن ينخرط في المسائل التي تتعلق بالمصلحة المحلية والوطنية وأن يتم استشارته بشأنها - وهو حق قد حرم منه طوال الـ 42 عاما الماضية؛ إضافة إلى إصراره على وضع قادته موضع المساءلة. وبإمكاننا أن نرى بوضوح أنه وللمرة الأولى منذ أجيال، لا يخشى الناس من التكلم بحرية.
وفي سياق هذه الحرية الجديدة، بدأت النزاعات والتوترات المحلية التي كانت موجودة قبل الثورة وتم قمعها تطفو على السطح بشكل أكثر وضوحا. وقد تطورت بعض من هذه التوترات إلى صراعات مسلحة، ما وضع إمكانية وسلطة الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة وقدرتها على فرض سيادة القانون موضع الاختبار.
وفي 26 آذار/مارس 2012، اندلع القتال بين كتائب التبو والعرب في مدينة سبها، أكبر مدن جنوب غرب ليبيا. وتدهور الوضع بشكل حاد خلال فترة امتدت خمسة أيام مما أسفر عن مقتل 147 شخصاً وإصابة 500 آخرين. وبمجرد اندلاع القتال، تم إرسال وفد مشترك من الحكومة الليبية والمجلس الوطني الانتقالي للمدينة لقيادة مفاوضات وقف إطلاق النار بدعم من قادة القبائل والقادة الأمنيين. وقد أرسلت وزارة الدفاع قوات من الجيش الوطني مدعومة بكتائب الثوار من خارج المنطقة للمساعدة في تأمين وفرض وقف إطلاق النار. وقامت الوكالات التابعة للأمم المتحدة ومنظمة الهجرة الدولية بتقديم المساعدات الإنسانية للعائلات النازحة في المنطقة.
وبعد فترة وجيزة، اندلع القتال في 1 نيسان/أبريل بين مدينة زوارة من جانب، ومدينتي رقدالين والجميل من جانب آخر، وهي مدن تقع غرب ليبيا. وتواصلت الاشتباكات لمدة ثلاثة أيام، وأفادت التقارير أنه تم استخدام الأسلحة الثقيلة خلالها، إلى أن تم الاتفاق على وقف لإطلاق النار لمدة 48 ساعة. وتشير تقارير غير مؤكدة إلى أن 48 شخصا لقوا حتفهم. واستجابت الحكومة بسرعة من خلال إرسال قوة الى المنطقة لفرض وقف لإطلاق النار – وقد كانت القوة مزيج من الجيش الوطني ووحدات من وزارة الداخلية وكتائب الثوار من مدن مختلفة. ويوجد تاريخ من الصراع بين الجانبين الذي عادة ما يُنسب إلى الاختلافات العرقية والمواقف تجاه النظام السابق والتنافس من أجل السيطرة على طرق التهريب. ولقد زرت المنطقة في أواخر أبريل/نيسان والتقيت في جميع المدن الثلاث مع المسؤولين المحليين والمجتمع المدني الذين أعربوا عن دعمهم لجهود المصالحة التي تقوم بها الحكومة والمجلس الوطني الانتقالي.
وثالثا، اندلع القتال للمرة الثانية هذا العام في 21 نيسان / أبريل في منطقة الكفرة جنوب شرق البلاد بين قبيلة التبو وعناصر من الجيش الوطني الذين تم نشرهم في المنطقة في شهر شباط/فبراير لفرض إتفاق وقف إطلاق النار. وأرسل كل من المجلس الوطني الانتقالي ووزارة الدفاع وفدا للتفاوض على وقف لإطلاق النار لمدة 48 ساعة، ولكن تم خرق هذا الاتفاق بعد 24 ساعة من بدئه وترافق ذلك مع زيادة في حدة الاشتباكات بما في ذلك استخدام الأسلحة الثقيلة بحسب ما أفادت التقارير. وفي محاولة لوقف الاشتباكات، قام وزير الدفاع بزيارة المدينة في 25 نيسان/أبريل. وخفت حدة الاقتتال، غير أن الوضع لا يزال متوترا. وتشير تقارير غير مؤكدة إلى مقتل عدة أشخاص وإصابة العشرات الآخرين.
وفي كل واحدة من هذه الحالات، قامت الحكومة مباشرة بعد بدء الصراعات باتخاذ إجراءات سريعة على صعيد نشر القوات واستخدام قدرات الوساطة. كما تحسنت ردة فعل الحكومة وتمت الافادة من الدروس المستفادة في كل منها. وقد أظهرت كل حالة أن العمل السريع ضروري لنزع فتيل التوترات المحلية ومنع الاعتداءات. إلا أنه وبالإضافة إلى ذلك، فإنه من الضروري أن يتبع هذه الحالات، وأيضاً حالات المدن الأخرى مثل بني وليد وسرت، توفير الأمن على المدى الطويل وتقديم الخدمات والسعي لتحقيق المصالحة لمعالجة هذه الصراعات بشكل كامل. وللأسف، فقد أثقلت هذه الصراعات كاهل الحكومة والمجلس الوطني الانتقالي وزادت من أعباء حملهما الطموح والمعقد بطبيعة الحال، مما أجبرهما على تحويل الانتباه عن الأولويات الرئيسية الأخرى.
وفي غضون ذلك، واجهت الحكومة أيضا اضطرابات ناجمة عن استياء بعض الكتائب المسلحة. ومن أكثر القضايا خلافية التصور القائل بعدم المساواة في التعامل مع جرحى الحرب، وقرار وقف المدفوعات لمقاتلي الثورة ريثما يتم وضع الإجراءات اللازمة لتنظيم عملية صرف الأموال بشكل صحيح. وتشير الحادثة الأخيرة التي وقعت في المنطقة المحيطة بمقر رئاسة الوزراء يوم الثلاثاء، والتي أسفرت عن مقتل شخص واحد وإصابة آخرين، إلى مدى جدية هذا الاستياء، ولكنه يظهر أيضا عزم الحكومة وقدرتها المتزايديْن فيما يتعلق بمواجهة أولئك الذين يستخدمون العنف وسيلة لتحقيق مطالبهم.
السيد الرئيس،
هناك تقدم في مجال الانتعاش الاقتصادي. فحاليا، يتم إنتاج نحو 1,4 مليون برميل نفط يوميا. كما يمكن لمعظم الأفراد الآن الوصول إلى ودائعهم المصرفية، وهناك مؤشرات واضحة لأنشطة تجارية جديدة. كما أضحى بالإمكان استئناف أعمال مشاريع البناء الصغرى بسبب اعتماد الميزانية. ولن تنطلق عملية إعادة الإعمار الشاملة بشكل كامل إلى حين عودة الشركات الأجنبية والمستثمرين الأجانب الذين حالت المخاوف الأمنية دون عودتهم في الوقت الحالي، غير أن شركات القطاع الخاص الليبية استأنفت أنشطتها. وقد تم عقد مؤتمريْن للتجارة الدولية في طرابلس خلال شهر نيسان/أبريل، مما فسح المجال أمام الحكومة لعرض خططها الإدارية والاستثمارية لإعادة الإعمار والتنمية المستقبلية للبلاد. وفي 29 آذار/مارس، استضافت وزارة التخطيط اجتماعا مع المجتمع الدولي لعرض الخطة الإستراتيجية للحكومة التي تستند إلى أهداف المرحلة الانتقالية العشرة التي حددتها الحكومة المؤقتة في تشرين الثاني/ نوفمبر، وهي توضح الخطط والأهداف القطاعية التي ستكون الأساس لأنشطة الحكومة، فضلا عن الدعم المنسق من الشركاء الدوليين.
غير أن حجم التحديات وتوقعات الشعب الليبي الكبيرة بتحقيق تقدم ملموس وسريع قد أثقل كاهل النظام السياسي المؤقت. فقد مرت خمسة أشهر منذ تعيين الحكومة، وعلى الرغم من إدراك كافة الأطراف بأن المهام المناطة بالسلطات الانتقالية هي مهمات طموحة، فإن السلطتيْن التنفيذية والتشريعية عانتا من إحباط متزايد بسبب عدم إحراز تقدم في عدد من القطاعات. وقد استمر المجلس الوطني الانتقالي في طلب التوضيحات بهذا الشأن، وكان هناك نقاشات داخل المجلس الانتقالي حول احتمال "حجب الثقة" عن الحكومة. وبينما أظهرت هذه المناقشات الالتزام بالمساءلة الديمقراطية، فإنها خلقت شعورا بعدم الاستقرار لدى نظام هو في الأصل هش. ومن المهم أن تعمل السلطات التنفيذية والتشريعية معا لضمان تحقيق تقدم ملموس يستطيع مواطنو ليبيا رؤيته خلال الفترة القصيرة المتبقية قبل إجراء الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة، ولا سيما في مجال الأمن وتحقيق اللامركزية في الخدمات الحكومية.
السيد الرئيس،
يعود للسلطات الانتقالية على الصعيدين الوطني والمحلي الفضل في عودة البلاد إلى وضع طبيعي نسبياً، والمحافظة على أجواء يعيش ويعمل فيها الناس بكل حرية، ويذهب فيها الأطفال إلى مدارسهم وتتوفر فيها الخدمات الأساسية. غير أن أكبر تطلعات المواطنين هو إحراز تقدم ملموس على صعيد الوضع الأمني في فترة ما بعد الثورة، حيث يرغب عامة الشعب الليبي أن يرى عملية متكاملة لإعادة بناء المؤسسات وإرساء سيادة القانون وإدماج قوى الثوار. ولا تزال الثغرات والتحديات الرئيسية قائمة، فيما تستمر بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بعملها لدعم جهود الحكومة في هذه المجالات.
ويستمر مستشارو شؤون عمل الشرطة التابعين للبعثة الذين يعملون ضمن وزارة الداخلية في تقديم الدعم في مجالات التدريب، وأمن الحدود، والخدمات اللوجستية، وأمن الانتخابات، والتوعية الإعلامية. كما لا تزال البعثة تشترك في رئاسة آلية التنسيق الدولي لمساعدة الوزارة في وضع أولوياتها وخططها، وتنسيق عروض المساعدة الثنائية التي يقدمها المجتمع الدولي، وذلك لضمان أنها تلبي احتياجات الشرطة الليبية بأفضل صورة ممكنة. فيما يجري حاليا وضع خطة طويلة الأجل تهدف إلى إعادة إصلاح وإعداة هيكلة شامليْن لوزارة الداخلية، بما في ذلك الشرطة، وسوف تتطلب تعزيزاً كبيراً للقدرات في مجالات فعالية القرارات والإدارة والتخطيط الإستراتيجي. وفي نفس الوقت، أدت الأزمات الأخيرة للدعوة إلى تسريع وتيرة جهود إعادة تأهيل القوات المسلحة الليبية، وقد طلب كل من وزير الدفاع ورئيس أركان الجيش من الشركاء الثنائيين والشركاء الدوليين تنسيق جهودهم في هذا الصدد.
ويعد دمج أو تسريح الثوار والحد من انتشار الأسلحة إحدى القضايا الرئيسية المتعلقة بالأمن العام. وينظر الشعب إلى أي تطور في هذا الشأن على أنه مؤشر أساسي لإحراز تقدم كبير في مرحلة ما بعد الثورة والأداء الحكومي، وقد كانت النتائج متباينة حتى الآن في هذا المجال. ونظرا لضعف قدرة الجهاز الأمني في الدولة على استيعاب الثوار، وضعت الحكومة آلية مؤقتة على شكل لجنة أمنية عليا لديها فروع في جميع أنحاء البلاد تعمل تحت إمرة وزارة الداخلية. ومن إيجابيات هذه الآلية أنها تمكن اللجنة الأمنية العليا من ضم كتائب الثوار تحت قيادة وسيطرة موحدة مما يحد من تفككها. كما أنها وفرت للدولة مجموعة من قوات احتياطية للنشر السريع مع الجيش الوطني في مناطق الأزمات. ولغاية الآن، ووفقا لوزارة الداخلية، قام ما يقرب من 60 إلى 70 ألف مقاتل بالتسجيل للمشاركة في اللجنة الأمنية العليا، وبما أن اللجنة الأمنية العليا هي هيئة مؤقتة بطبيعتها، فإن التحدي الآن يتمثل في وضع خطة لإدماجهم في نهاية المطاف في الوزارة بالتزامن مع عمليات الإصلاح الخاصة بها. ومن الضروري أن يتم التعامل مع هذا الانتقال على أنه مسألة ذات أولوية بحيث لا تصبح اللجنة الأمنية العليا هيكلاً أمنياً مواز للوزارة. وفي غضون ذلك، تواصل هيئة شؤون المحاربين تسجيل المقاتلين وبعض الأسلحة، وتعمل مع وزارة العمل لتحديد فرص العمل المدنية المتاحة. كما أن هناك حاجة إلى تنسيق أقوى لخطط الإدماج والتسريح وإعادة الإدماج لتجنب الارتباك والازدواجية في الجهود، وتحتاج عملية التخطيط للاستمرارية ليتم الحد من الأسلحة وإتمام عملية نزع السلاح.
ولا يزال أمن الحدود مصدر قلق رئيسي لليبيا ولدول الجوار والمنطقة والشركاء الدوليين. فالسلطات الليبية تواجه حاليا قصوراً كبيراً في القدرات والإمكانيات. ويجري حاليا تشكيل قوة جديدة لحماية الحدود والمنشآت الإستراتيجية؛ فالقوات المسلحة الليبية بحاجة إلى إعادة تأهيل، وقد استنفدت مصلحة الجمارك الليبية معظم مواردها، فيما يحتاج جهازي الشرطة والجوازات إلى تعزيز وتدريب في معظم المجالات المتعلقة بمسؤولياتهما. وسيستغرق تأسيس جهاز فعال لأمن الحدود وآليات الإدارة سنوات عديدة، وهي مهمة معقدة تتطلب اتباع نهج حكومي شامل عبر عدة وزارات رئيسية، والتنسيق والتعاون على كافة المستويات بين مختلف الأجهزة الأمنية في الدولة. كما يعد الدعم والتركيز الدولييْن المستادميْن أمريْن ضروييْن. وسوف تواصل الأمم المتحدة تقديم الدعم لهذه الجهود من خلال تقديم المشورة والخبرات، والتنسيق، وذلك بالتعاون الوثيق مع السلطات الليبية وشركائها المعنيين. وتظل الأولوية الرئيسية هي وضع خطة عمل عاجلة لتحسين الوضع الأمني والسيطرة المتكاملة على الحدود الجنوبية، تحت إمرة هياكل القيادة والسيطرة المشتركة. وتقف كل من الأمم المتحدة والشركاء الثنائيين على أهبة الاستعداد للعمل مع السلطات الليبية على هذه الخطة التي من شأنها أن تسهل عملية تقديم المساعدة الدولية لمختلف الوكالات المعنية.
السيد الرئيس،
فيما لا أزال أعتقد أن الحكومة الليبية ملتزمة بضمان حصول كافة مواطنيها على العدالة وسيادة القانون، إلا أن هنالك عوائق كبيرة تقف في وجه هذه العملية. فلازال الآلاف من الأشخاص يقبعون في مراكز الاعتقال. ولا زالت عملية نقل السجناء والمعتقلين لسجون وزارة العدل تتقدم لكن ببطء. وتفيد الوزارة بأن 31 مركز اعتقال تحتوي على ما يزيد عن 3000 معتقل هي الآن تحت إمرتها. وعادة ما تكون السيطرة على هذه المراكز بالشراكة مع أطراف أخرى بما في ذلك الكتائب التي كانت تديرها. ولا يزال يوجد حوالي 4000 معتقل إضافي في عهدة الكتائب، سواء في معتقلات رسمية أو سرية.
ولا زالت حالات إساءة معاملة المعتقلين وتعذيبهم مستمرة. وأعربت البعثة مؤخراً عن قلقها العميق بخصوص مقتل ثلاثة أشخاص في مركز اعتقال في مدينة مصراتة يقع تحت سيطرة اللجنة الأمنية العليا التي تعمل تحت إمرة وزارة الداخلية. ولقد وقعت الوفيات بتاريخ 13 نيسان/أبريل، ولدينا معلومات ذات مصداقية بأن الوفيات كانت نتيجة التعذيب، بالإضافة إلى معلومات بأنه قد تم تعذيب ما لا يقل عن 7 أشخاص في مركز الاعتقال ذاته. وقد حثثت رئيس الوزراء ووزير الداخلية على ضرورة التحقيق في هذه الحالات ومنع وقوع المزيد من حالات سوء معاملة من خلال نظام تفتيش صارم. وأعلنت اللجنة الأمنية العليا عن إدانتها لهذه الأفعال وتعهدت بدعم التحقيقات والإجراءات القانونية المناسبة. وسنعمل مع السلطات الليبية لضمان متابعة هذه القضايا بالإضافة إلى الادعاءات المتعلقة بوقوع حالات تعذيب في مناطق أخرى في ليبيا، ويشمل ذلك مراكز اعتقال في طرابلس والزاوية والزنتان.
وينبغي أن تكون معالجة هذه الممارسات أولى أولويات الحكومة الليبية في سعيها لخلق ثقافة جديدة في ليبيا ما بعد الثورة قائمة على حقوق الإنسان وسيادة القانون. وتم بهذا الصدد إنشاء أجهزة حكومية جديدة خلال الشهرين الماضيين للتحقيق في الشكاوى المتعلقة بحقوق الإنسان. وتسلط هذه الحوادث الضوء على أهمية الإسراع في نقل هؤلاء المعتقلين لسجون وزارة العدل حيث سيكونون تحت حماية الشرطة القضائية. وتنخرط بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مع إدارة السجون الليبية لمعالجة الثغرات على صعيد قدراتها، كما أنها تحث على تبني إستراتيجية شاملة لإجراءات الملاحقة القضائية المتعلقة بإرث النظام السابق والصراع. وقد تساهم هذه الإستراتيجية بشكل كبير في بناء ثقة الجمهور في النظام القانوني.
كما أنه من الضروري إحراز تقدم في الجوانب الأخرى للعدالة الانتقالية، بما في ذلك التعيين الرسمي لأعضاء هيئة المصالحة وتقصي الحقائق التي تم تأسيسها بموجب قانون العدالة الانتقالية، وكذلك البحث عن الأشخاص المفقودين والتعرف عليهم.
وبتاريخ 2 آيار/مايو، قام المجلس الوطني الانتقالي بإصدار العديد من القوانين الجديدة، بما في ذلك قانون "العفو عن بعض الجرائم"، وقانون "تجريم تمجيد الطاغية"، وقانون "بعض الإجراءات الخاصة بالمرحلة الانتقالية". وينص القانون الأخير على قيام وزارتي الداخلية والدفاع باتخاذ إجراءات متعلقة بالمعتقلين على خلفية الصراع من خلال إحالتهم للقضاء أو إطلاق سراحهم خلال شهرين، وسيمثل ذلك، في حال تنفيذ هذا القانون وفق معايير حقوق الإنسان، خطوة إيجابية نحو تسوية العديد من حالات الاعتقال المتعلقة بالصراع في ليبيا. فيما تعد بعض جوانب هذه القوانين مبعثاً للقلق حيث أنها تعرضت لانتقادات محامين ليبيين، بما في ذلك المجلس الوطني للحريات المدنية وحقوق الإنسان الذي أسسه المجلس الوطني الانتقالي نفسه. وقد اتسمت اللغة التي تم استعمالها فيما يتعلق بالعفو بالغموض، ما جعلها عرضة للعديد من التأويلات، فهي تعتمد على ما إذا تم ارتكاب الأفعال بهدف "إنجاح الثورة أو حمايتها". ونحن نسعى للحصول على توضيح فيما إذا كان سيتم تنفيذ هذه القوانين بطريقة تحترم المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ويشمل ذلك منع العفو عن جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان. كما أن تجريم الكلام ضد السلطات الجديدة يعد خرقاً لحرية التعبير ولا يتسق مع المبادئ الواردة في الإعلان الدستوري لليبيا أو المعايير الدولية.
السيد الرئيس،
إن التحديات التي على ليبيا التغلب عليها خلال المرحلة الانتقالية، وبالأخص تلك المتعلقة بالجانب الأمني، تزيد من الحاجة الملحة لتسوية المسائل المتعلقة بإضفاء الشرعية من خلال إجراء العلميات الانتخابية في وقت مبكر. إن الشعب الليبي بحاجة لأن يشعر بأنه هو الذي يختار حكومته وأنها مسؤولة أمامه.
لذا، يسرني أن أبلغكم بمدى التقدم الذي تم تحقيقه بخصوص التحضيرات لانتخابات المؤتمر الوطني. وقد قامت الأمم المتحدة، بناءً على طلب من السلطات الليبية، بتوسيع نطاق دعمها للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات من خلال تعزيز دورها الاستشاري، ودعم برنامج تثقيف الناخبين، وشراء مواد التسجيل والاقتراع، وتنسيق جهود المنظمات الدولية الأخرى بهذا الصدد. ويعمل الفريق الانتخابي الموحد التابع اللأمم المتحدة، والذي يتكون من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالإضافة إلى برنامج الأمم المتحدة لخدمات المشاريع، مع إدارة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في مكاتبها الواقعة في مدينة طرابلس، فيما تم إرسال موظفين آخرين للعمل في ثلاث مواقع ميدانية (طرابلس وبنغازي وسبها).
وكان على المفوضية الوطنية العليا للانتخابات إنشاء مكاتب فرعية، وتحديد المخازن، وتعيين موظفيها وتدريبهم بالتزامن مع اعتماد العديد من اللوائح والأنظمة، بما في ذلك تلك المتعلقة بتسجيل الناخبين، وتسمية المرشحين والكيانات السياسية، وعملية المراقبة الانتخابية. وكما أشرت في بداية تقريري، فإن عدد الأشخاص الذي تسجلوا كناخبين خلال الفترة 1- 9 أيار/ مايو تعدى المليون شخص. ولا يزال إقبال الناخبين من النساء على التسجيل قليلا نسبيا، حيث بلغ 36 بالمائة من إجمالي المسجلين. ومن الصعب جداً اعتماد تقدير موثوق به لأعداد الناخبين المؤهلين وذلك نظراً لقلة الإحصاءات المعتمدة فيما يتعلق بالسكان والتركية السكانية الخاصة بليبيا. وبحسب بعض التقديرات المدروسة فإن العدد يتراوح بين 3 إلى 3,5 مليون شخص. ومع أن الأعداد الأولية للمسجلين مشجعة، فإنها تظهر الحاجة لزيادة وتيرة التسجيل خلال الأسبوع الثاني من عملية التسجيل، وبالفعل تزايدت أعداد التسجيل اليومي خلال الأيام القليلة الماضية.
كما بدأ تسجيل المرشحين والكيانات السياسية التي تقدمت بقوائم لانتخابات النظام النسبي في 1 أيار/مايو، وكان من المزمع أن يتم ذلك خلال فترة تمتد لثمانية أيام. ونتيجة للتمثيل القوي للكيانات السياسية، قررت المفوضية بتاريخ 7 أيار/ مايو تمديد المدة الزمنية لأسبوع إضافي بحيث ينتهي التسجيل بتاريخ 15 أيار/ مايو. ويعد العدد الإجمالي للمرشحين المسجلين والكيانات السياسية المسجلة مدعاة للتفاؤل، حيث تم تسجيل 1100 مرشح فردي و47 كياناً سياسياً لغاية الآن. وبالرغم من بطئ وتيرة عملية تسجيل المرشحين والكيانات السياسية في بادئ الأمر، فإنها بدأت بالتسارع على نحو ثابت وهي مستمرة على هذا النحو منذ تمديد فترة التسجيل. غير أن أعداد المرشحات من النساء لا يزال منخفضاً للغاية مقارنة بأعداد المرشحين الفرديين - حيث تم تسجيل 29 مرشحة لغاية الآن - مما يعد خيبة أمل ولكنه غير مفاجيء حيث تفضل معظم النساء الراغبات بالترشح أن يتم إدراجهن في قوائم الكيانات السياسية التي يقتضي القانون أن تكون وفق تسلسل تبادلي بين المرشحين من الرجال والنساء.
وقد شكل تثقيف الناخبين تحدياً كبيراً في هذه العملية. حيث قامت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بإصدار مواد توعية الناخبين وتعميمها في كافة أرجاء البلاد وشملت حملة ملصقات، وملحقات في الصحف، ورسائل نصية، وإعلانات عامة في التلفاز. وللأسف، فقد بدأت هذه العلمية في وقت متأخر ولا تزال هناك حاجة ملحة لزيادة هذه الأنشطة.
واستمرت عملية تسجيل الناخبين دون مشاكل أمنية تذكر. ويتم في الوقت الحالي إعداد خطة كاملة لأمن الانتخابات باهتمام عالي المستوى من الحكومة ومشاركة قوية من مستشاري شؤون عمل الشرطة لدى بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. وقامت وزارة الداخلية بتشكيل لجنة أمن الانتخابات وذلك لتنسيق جميع الأنشطة ضمن دوائر الشرطة والمقاطعات والعناصر الأمنية الأخرى. فيما قامت الوزارة، من خلال توجيه ومساعدة مستشاري شؤون عمل الشرطة التابعين للبعثة، بتصميم وتنفيذ برامج تدريبية شاملة لضباط الشرطة الذين سيتولون عملية أمن الانتخابات. وقد يعيق نقص المواد اللوجستية ووسائل الاتصالات والمركبات تنفيذ خطة أمن الانتخابات، كما ستكون الترتيبات المحلية أمراً حيويا على هذا الصعيد. وسيكون من الضروري كذلك أن تتكاثف جهود الأجهزة الأمنية بشكل فعال لتنفيذ هذه الخطة.
ومن ضمن العوامل الرئيسية التي من شأنها أن تؤثر على الجدول الزمني للانتخابات: عملية تسجيل الناخبين والكيانات السياسية، وعملية إدارة الشكاوى، وعملية فحص المرشحين من قبل هيئة النزاهة والوطنية – التي قد تكون أهم هذه العوامل. وقد أعربت الكيانات السياسية علنا عن قلقها إزاء المدة الزمنية القصيرة المخصصة لعملية تسجيل الناخبين وتسمية المرشحين وبالأخص في ضوء ضعف التوعية المدنية وتطور الكيانات السياسية. ولكن بالرغم من ذلك، يستمر العديد من الأحزاب والكيانات السياسية في الظهور وعقد المؤتمرات ووضع بياناتها بالإضافة إلى انتخابها لقياداتها السياسية. ويعتبر ذلك إشارة للتطور الصحي والملموس في العملية الديمقراطية. وأود أن أنتهز هذه الفرصة للإشادة بالمفوضية الوطنية العليا للانتخابات - الهيئة التي تأسست منذ أقل من 4 أشهر دون أي خبرة انتخابية – لالتزامها وجهودها المتواصلة للسير قدما بالعمليات الانتخابية في ظروف صعبة ومدة زمنية محدودة للغاية.
السيد الرئيس،
إن الانتخابات هي جزء من العملية الانتقالية: ليست هي البداية ولا النهاية. وستساعد الانتخابات في معالجة بعض القضايا التي تعاني منها السلطات الانتقالية. ولكن يجب أن يجدد الليبيون عقب الانتخابات التزامهم بعملية جدية لبناء الدولة على المدى الطويل.
وبينما ينص الإعلان الدستوري أن المؤتمر الوطني سيكون هيئة انتقالية، وأن انتخابات الهيئة التشريعية الدائمة ستجرى في غضون سنة من هذه الانتخابات، إلا أن المؤتمر الوطني القادم سيكون مسؤولاً عن العديد من المهام المهمة. وتشمل هذه المهام تشكيل حكومة جديدة وتعيين اللجنة الدستورية ومراجعة وإصدار التشريعات المهمة بما في ذلك قانون الانتخابات القادم. وحيث أن هذا المؤتمر الوطني سيكون أول هيئة تشريعية منتخبة في ليبيا لما يزيد عن نصف قرن، فإن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يجريان مشاورات مع العديد من الخبراء للإعداد لتقديم الدعم الموضوعي والإجرائي للمؤتمر الوطني واللجنة الدستورية. ومع انتقال عملية التحول الديمقراطي لمرحلة جديدة، سيظل من أولويات بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مساعدة السلطات الجديدة في مجالات الأمن العام وحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية وسيادة القانون وانتشار الأسلحة وأمن الحدود.
وكما قلت تكراراً في هذا المجلس، فإنه يتوجب علينا دائما تذكير أنفسنا بالإرث المروع والصعوبات الكبيرة التي تواجهها السلطات الليبية في تأسيس دولة فعالة مبنية على سيادة القانون والديمقراطية. ويجب أن نهنئ السلطات الليبية على درجة الاستقرار والإنجازات التي تم تحقيقها حتى الآن. وفي ذات الوقت يجب أن يكون المجتمع الدولي صريحا معهم ومع أنفسنا من خلال الاستمرار في تسليط الضوء على التحديات والثغرات، والاستمرار في التزامه بدعم الليبيين في مسعاهم نحو الديمقراطية والاستقرار وذلك من خلال تقديم المشورة الفنية والدعم العملي. فإن من مصلحة الجميع أن تكون ليبيا دولة ديمقراطية مستقرة.
وشكراً