احاطة الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة طارق متري، اجتماع مجلس الأمن 10 مارس 2014

10 مارس 2014

احاطة الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة طارق متري، اجتماع مجلس الأمن 10 مارس 2014

(النص باللغة العربية )

السيدة الرئيس،

امامكم تقرير الأمين العام عن أنشطة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في الستة أشهر الماضية.

في 8 مارس، جرى تحميل النفط الليبي على الناقلة "Morning Glory" التي ترفع علم كوريا الشمالية وذلك في مرفأ السدرة وعلى يد مجموعات مسلحة سبق لها ان سيطرت على عدد من المرافق النفطية في شرق ليبيا. ان هذا العمل غير الشرعي هو خرق لسيادة ليبيا على مرافئها ومواردها الطبيعية.

تحدثت امام مجلسكم منذ ثلاثة أشهر عن تردي الأوضاع الأمنية في ليبيا وعن تصاعد مشاعر الإحباط بين الليبيين حيال العملية السياسية. وألمحت الى الإستقطاب الحاد الناتج عن الخلاف حول ادارة المرحلة الإنتقالية والذي يعكس بدوره انقساما سياسيا وايديولوجيا أكبر. وفي الثاني من مارس، اقتحم متظاهرون مقر المؤتمر الوطني العام مطالبين بحلّه. وقام ما يناهز المئة والخمسين من الشبان بتخريب قاعة الإجتماعات الرئيسية واعتدوا على اعضاء من المؤتمر الوطني العام واصابوا أربعة منهم بجروح. لقد ادنت بشدة اعمال العنف ضد المؤتمر، مؤكدا ضرورة احترام مؤسسات الدولة الشرعية. ووفيما نشدد على صيانة الحق في حرية التعبير، فإن استخدام القوة لتحقيق اغراض سياسية مرفوض بشكل حاسم.

لم يؤد قرار المؤتمر الوطني العام في 3 فبراير، والمتعلق بنقل السلطة الى هيئة تشريعية منتخبة دستوريا، الى تخفيف حدة التوتر قبيل السابع من فبراير، الموعد الذي اعتبره البعض، وعلى نحو خلافي، تاريخا لنهاية ولاية المؤتمر الوطني العام. غير ان المؤسسة المذكورة، آخذة بالحسبان الضغط الشعبي، اختارت المضي في اجراء انتخابات عامة مبكرة، مما ادى بواقع الأمر الى اقامة مرحلة انتقالية جديدة ستستمر حتى انتهاء العملية الدستورية. وألّفت لجنة من خمسة عشر عضوا للنظر في تعديل الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الوطني الإنتقالي في اغسطس 2011.

-1-

ولم تنجح المحاولات الحثيثة الى حل الخلافات والوصول الى اتفاق حول ادارة المرحلة الإنتقالية ، بما في ذلك ما يتصل بمستقبل المؤتمر الوطني العام والحكومة. ولم توفق في وضع حد للإنقسام الذي تسبب بشلل العملية السياسية. و ظلت التباينات الكبيرة قائمة في امر اجراء انتخابات برلمانية ورئاسية وتحديد الصلاحيات التي ستمنح للرئيس العتيد. كما ان تنفيذ قانون العزل السياسي بقي مسألة خلافية.

وخلال تلك الفترة، حثّت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا الأطراف كافة على الإتفاق حول الأولويات الوطنية وكيفية ادارة المرحلة الإنتقالية. ودعوت، لهذا الغرض، إلى عقد لقاءات تشاورية متتالية شاركت فيها قيادات أهم القوى السياسية والمدنية.

على امتداد الأشهر الثلاثة الماضية، ازدادت حدة العنف في مختلف انحاء ليبيا. ففي شهر يناير واوائل فبراير وقعت اشتباكات في منطقة ورشفانا غرب طرابلس وكانت اصوات القذائف تسمع على مقربة من مقر بعثة الأمم المتحدة. وشهدت سبها ، في الجنوب الليبي، و الكفرة، في الجنوب الشرقي، صدامات مسلحة تتسببت بها شكاوى ومنازعات سياسية و اقتصادية واجتماعية و اتخذ الكثير منها طابعا قبليا او اتنيا. واستفاد عدد من مؤيدي النظام السابق من الأوضاع هذه فاحتلوا، لفترة وجيزة، مبان او منشآت حكومية. وبلغت حصيلة المعارك في سبها ما يزيد على مائة قتيل، بمن فيهم الأطفال والمسنين. واجبرت مئات العائلات على النزوح وعانى الكثيرون من النقص في المحروقات والمواد الغذائية و الطبية. وعملت بعثة الأمم المتحدة بسرعة، وبالتعاون مع السلطات الحكومية والمحلية، على تقديم الإغاثة الطارئة للعائلات النازحة في اوباري وسبها. وهي بصدد القيام بهذه الأعمال في الكفرة.

وفي شرق ليبيا، تواصلت حملات الإغتيال والتفجير والخطف وبلغت حدا لا يطاق. ووقعت ضحايا عديدة في صفوف المسؤولين الأمنيين والقضائيين . كما نال المدنيون قسطا من الإعتداءات والرعب. وشكل اغتيال سبعة مواطنين مصريين، كلهم مسيحيون، في بنغازي تعبيرا مفجعا عن الفلتان الأمني الخطير. لكن ما يستحق ذكره هو الأدانة الواسعة لهذه الأعمال المقززة من قبل الليبيين.

-2-

وفي مدينة تعتز بدورها في وضع حد لعقود من الطغيان، يتعاظم الغضب الشعبي. ورغم ان المسؤولية الأولى في قمع المجرمين تقع على الدولة، فإن نجاح السعي لوقف المسلسل الدامي وحماية المدنيين يتوقف على تضافر الجهود بين الحكومة و القوى السياسية والثورية. وفي هذا السياق، تعرضت الأمم المتحدة للإنتقاد لما يحسب تقصيرا بنظر البعض الذي تتجاوز توقعاته على نحو كبير ما يقع ضمن المهام الموكلة إلى بعثتها.

ان المظاهرات في انحاء مختلفة من ليبيا ومنذ اوائل فبراير اعترضت على استمرار المؤتمر الوطني العام في تأدية مهامه. و تنامت مشاعر انعدام الثقة والعداء بين الفريقين الرئيسيين في البلاد ، علما بأن كلا منهما غير متجانس. وواجهت ليبيا مخاطر الإ نزلاق نحو عنف غير مسبوق.

وفي 18 فبراير، انذرت كتيبتان المؤتمر الوطني العام بانهاء مهماته خلال خمس ساعات والا تعرض لعملية عسكرية. وجاء هذا التصعيد عقب سلسلة من الإعتداءات على وسائل اعلام معارضة بشدة لاستمرار المؤتمر الوطني العام . عندئذ دعوت، خلال اتصالاتي بالأفرقاء من السياسيين وقادة الكتائب وفي بيان اصدرته البعثة، الى ضبط النفس وحذّرت من اللجوء الى العنف وناشدت الجميع العودة الى الحوار السياسي. وفي اجتماع لي مع قادة الكتيبتين اللتين وجّهتا الإنذار، كرّرت الموقف اياه وطلبت اليهم معالجة المشكلات السياسية بالوسائل السياسية. ورغم ان الكثيرين يعتقدون ان لبعثة الأمم المتحدة دورا تلعبه في المساعدة على تجنب العنف، فإنه من المؤسف ان تغيب عن بعض الأصوات التي تعالت بالإنتقاد او التهجم حقيقة دوافع الأمم المتحدة و مفاعيل مبادراتها.

و بظل حرصي على حياد الأمم المتحدة واحترامها السيادة الوطنية وعلى عدم تدخلها بالشؤون الداخلية الليبية، ثابرت على دعوة جميع القوى المؤثرة في ليبيا الى اعلاء المصلحة الوطنية والإحجام عن استخدام القوة لحل الخلافات السياسية. واعلنت مجددا دعم الأمم المتحدة للحفاظ على المؤسسات الشرعية وعلى دورها في نقل السلطة سلميا الى هيئة منتخبة.

-3-

في العشرين من فبراير، جرت انتخابات هيئة صياغة الدستور. تقدم اليها 649 مرشحا، وتنافست 54 مرشحة على المقاعد الستة المخصصة للنساء. بلغ عدد المقترعين 509043 من اصل 1101541 ناخب مسجل أي ما يساوي 46% . وقاطع الأمازيغ الإنتخابات. كذلك فعل عدد كبير من التبو والطوارق. وسجلوا موقفا يطالب بأخذ القرارات داخل هيئة صياغة الدستور بالتوافق حين يتعلق الأمر بحقوقهم. وفي 26 فبراير اجريت دورة انتخابات ثانية في المراكز التي تعذر الوصول اليها في 20 فبراير والتي بلغت 2% من مجموعها. لكن المقاطعة استمرت وحالت دون حصولها في عدد من المراكز المذكورة. وحالت الأوضاع الأمنية دون الإنتخابات في درنا. ونتيجة لكل ذلك ظل 13 مقعدا شاغرين في الهيئة المؤلفة من ستين عضوا.

لقد ازدادت على نحو مقلق الإعتداءات على الصحافيين والمؤسسات الإعلامية. وتعرضت قنوات تلفزيونية في طرابلس وبنغازي للهجوم المسلح. واختطف عدد من الإعلاميين. وكان كل ذلك، ويجب ان يكون، محل ادانة.

وفي فبراير، أقر المؤتمر الوطني العام قانونا يعاقب بالسجن الأشخاص الذين يسيئون الى ثورة 17 فبراير او يهينون السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والعلم الوطني. وانتقد عدد غير قليل من الليبيين هذا القانون واعتبروه متعارضا مع الإعلان الدستوري والتزامات ليبيا الدولية على صعيد حقوق الإنسان. لذلك فإننا ندعو المؤتمر الوطني العام لتحقيق الإنسجام بين هذا القانون ومعايير حقوق الإنسان الدولية.

في الثاني من مارس، انتهت مهلة التسعين يوما التي حدّدها قانون العدالة الإنتقالية للنظر في اوضاع المعتقلين واحالتهم الى الى القضاء او الإفراج عنهم. لكن المعلومات الأولية تفيد بأن العملية لم تنجز. وتنظر بعثة الأمم المتحدة بعين القلق الى استمرار التعذيب والوفاة اثناء الإحتجاز والخطف والإعتقال في اماكن سرية من قبل كتائب خاضعة صورياً لوزارتي العدل والدفاع. ان وضع المعتقلين تحت سلطة وزارة العدل الفعلية شرط من شروط اقامة سيادة القانون في ليبيا.

-4-

ما زالت قدرة الدولة على تحمل مسؤولياتها في مجال الأمن معوقة بفعل غياب التوافقات السياسية حول بناء الجيش الوطني ودمج الثوار وجمع السلاح. ويتطلب حل هذه المسألة خطة واضحة وعددا من الضمانات للثوار الذين يخضعون إسمياً للدولة، بما في ذلك الإعتراف بمساهمتهم في الثورة والحفاظ على حقوقهم ومصالحهم المشروعة.

يستمر عمل الأمم المتحدة في ليبيا رغم المشكلات البنيوية. فبالإضافة الى المشورة والمساعدة الفنية ، هناك المزيد من الإهتمام بوضع برامج وطنية لضبط تخزين الأسلحة والذخائر والسلاح الثقيل كما الأسلحة الخفيفة. ويسرني ان اعلم مجلسكم ان الحكومة تجاوبت وشرعت في اتخاذ بعض الخطوات على هذا الطريق.

ان الدعم الدولي المنسق حاجة لليبيا. واني ارحب بنتائج مؤتمر روما الذي عقد في السادس من هذا الشهر والذي شاركت فيها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن ودول الجوار وعدد من الدول الصديقة والداعمة لليبيا. ان شعب ليبيا يتوقع من الأسرة الدولية تقديم المساعدة في المهمة الصعبة الهادفة الى بناء الدولة ومؤسسات قوية وخاضعة للمساءلة. غير ان دعم ليبيا لا يكتسب معناه كاملا وفاعليته ما لم يلتزم القادة الليبيون هذا الهدف وان تكون لهم الإرادة السياسية الضرورية لحل المشكلات الرئيسية عن طريق الحوار و تضافر الجهود.

شكرا.