احاطة الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة طارق متري، اجتماع مجلس الأمن 9 يونيو 2014
(النص باللغة العربية )
السيد الرئيس، أعضاء مجلس الأمن الموقرون،
هناك قلق مستمر بين الليبيين إزاء إمكانية استمرار النزاع الحالي لفترة اطول. وتشكل الأزمة التي استحوذت على المشهد السياسي خلال الأشهر القليلة الماضية تهديداً للتحول السياسي للبلاد.
وبعد قرار المؤتمر الوطني العام منح الثقة لحكومة السيد احمد معيتيق في 26 مايو، رفضت حكومة عبدالله الثني التي تتولى تصريف الأعمال، تسليم السلطة مشيرة إلى وجود مخالفات إجرائية. وصباح اليوم، أعلنت المحكمة العليا عدم دستورية اختيار معيتيق ، فاتحة الطريق أمام الخروج من أزمة المؤسسات الحالية. بطبيعة الحال، لا بد من تأكيد الحاجة إلى احترام القرار القضائي.
جاء رد الفعل الأولي في طرابلس على قرار المحكمة إيجابياً. فقد أعلن نائب الرئيس الثاني للمؤتمرالوطني العام، السيد صالح المخزوم، والسيد معيتيق نفسه، أنهم سوف يمتثلون للقرار.
كذلك شهدت الأسابيع القليلة الماضية تطورات أمنية مهمة. وأهم هذه التطورات هو تحرك اللواء المتقاعد خليفة حفتر في منتصف شهر مايو لنشر بعض الوحدات المنتمية للجيش الوطني الليبي، إلى جانب بعض العناصر المسلحة ذات الانتماءات القبلية ضد الجماعات التي وصفها بالإرهابية وحملّتها المسؤولية عن العنف والاغتيالات في بنغازي ومناطق أخرى من الشرق الليبي.
وحازت العملية العسكرية المعروفة باسم "عملية الكرامة" على قدر من التأييد. ولكن هناك أيضاً من يتهمون اللواء حفتر بالسعي إلى الإطاحة بمؤسسات الدولة المنتخبة بطريقة شرعية واستخدام تهديد الإرهاب ذريعة لما اسموه "انقلاباً".
وفي الإحاطات السابقة التي قدمتها لكم، لم أستطع أن أقلل من خطورة الفراغ الأمني الخطير المتنامي في ليبيا. حيث كان المئات من المواطنين الليبيين، خاصة أفراد الأمن وكذلك القضاة والصحفيين وغيرهم من المدنيين ضحايا لحملة اغتيالات واعتداءات ممنهجة ومتواصلة.
إلا أن أية استراتيجية مجدية طويلة الأمد لمعالجة هذه الظاهرة واجتثاث الإرهاب لا يمكن أن تخرج من مبادرات أحادية وخارجية ولا يمكن أن تقتصر على الحلول العسكرية. وفي الوقت الحاضر، لا بد من وضع حد للعنف الذي يمارس بحق المدنيين في بنغازي. وأن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا تكرر ادانتها لإستهداف المدنيين، أياً كانت الجهات المسؤولة عنه.
السيد الرئيس،
في طرابلس، أبرزت أزمة تعيين رئيس الوزراء الجديد منذ شهر فبراير الاستقطاب السياسي الكبير. وقد أفسح التوتر مجالاً للاشتباكات المتقطعة في شوارع العاصمة، بين الكتائب المتنافسة وغيرها من الجماعات المسلحة الخاضعة للسيطرة الاسمية للسلطات الليبية. وفي 18 مايو، دخلت الجماعات المسلحة عنوة إلى المؤتمر الوطني العام لمنعه من المضي قدماً في انتخاب رئيس وزراء جديد.
وكشف الخلاف السياسي القوي، حول شرعية المؤسسات وقيامها بوظائفها، انعدام الثقة المتبادل بين الأطراف الرئيسية. وازدادت حد المواقف لدى طرفي الانقسام السياسي بفعل الاتهامات حول السعي للسلطة بوسائل كافة والشكوك حول التدخل الأجنبي لصالح الطرف المقابل.
السيد الرئيس،
على الرغم من الأزمة السياسية والأمنية التي عصفت بليبيا، فإن العملية الدستورية قد حققت تقدماً ملحوظاً منذ الإحاطة التي قدمتها للمجلس في شهر مارس. ففي 21 أبريل، عقد المؤتمر الوطني العام أول جلسة لهيئة صياغة الدستور في مدينة البيضاء. وبعد مراسم الافتتاح، انتخب الأعضاء الرئيس ونائب الرئيس والمقرر واعتمد النظام الداخلي للهيئة. وتقوم الهيئة حالياً بوضع هيكلية اللجان وخطط العمل وخطط التواصل مع الجمهور. وان بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على أتم الاستعداد لتقديم المساعدة الفنية بطلب من الهيئة، كما تواصل البعثة جهودها لتنسيق الدعم الدولي للعملية الدستورية.
لقد شرحت لكم في إحاطتي السابقة كيف أدت المقاطعة والمشكلات الأمنية إلى عرقلة انتخابات هيئة صياغة الدستور في شهر فبراير وشغور 13 مقعداً في الهيئة. وخلال الفترة الماضية تم شغل 8 مقاعد من خلال جولات اقتراع إضافية. وتبذل الهيئة نفسها جهوداً لضمان تمثيل كافة المناطق الليبية وكافة "مكونات" المجتمع الليبي في أعمال الهيئة.
ولقد أطلقت البعثة بالشراكة مع العديد من المنظمات النسائية "مبادرة حوار النساء" للدخول في نقاش عام مع الإعلام والأطراف الفاعلة، الدينية والسياسية والمجتمعية، حول القضايا الدستورية التي تهم النساء بصفة خاصة.
السيد الرئيس،
تقوم المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا الآن، بمساعدة الدعم التقني للأمم المتحدة، بالإعداد لانتخاب مجلس نواب مكون من 200 عضواً خلفاً للمؤتمر الوطني العام. وقد بلغ إجمالي عدد الناخبين المسجلين إلى 1.5 مليون ناخب تقريباً. وحتى الآن تسجل ما مجموعه 1.714 مرشح، منهم 152 امرأة تتنافسن على 32 مقعداً مخصصاً للنساء. ومن المتوقع أن يجري الاقتراع في 25 يونيو، وقد دعونا جميع الأطراف لتأمين اجراء الانتخابات بجو سلمي وبدون تأخير. ومن المرجو ان تفتتح هذه الانتخابات المرحلة الانتقالية الثالثة بثقة وتأييد شعبي وصولا الى اعتماد الدستور الجديد.
السيد الرئيس،
لا يزال الوضع الأمني عائقاً أمام عمل نظام العدالة على نحو سليم. فقد توقفت المحاكم عن العمل لفترات طويلة في درنة وبنغازي وسرت احتجاجاً على الهجمات المستمرة على المدعين والقضاة وغيرهم من مسؤولي الدولة.
وعلى الرغم من أن المؤتمر الوطني العام قد مدد الموعد النهائي لإكمال النظر القضائي في أوضاع المحتجزين وفقاً لقانون العدالة الانتقالية إلى 2 أبريل، لا تزال هذه المهمة معلقة. حيث تشير الأرقام التي جمعتها وزارة العدل بمساعدة البعثة إلى أنه في بداية شهر مارس بقي حوالي 6200 سجين محتجزين في أماكن اعتقال تحت سلطة الشرطة القضائية، تمت محاكمة 10% منهم فقط.
وبدأت محاكمة 37 من مسؤولي النظام السابق، بما في ذلك سيف الإسلام القذافي وعبد الله السنوسي، في محكمة استئناف طرابلس. وتعتبر هذه المحاكمة اختباراً حاسماً لاستعداد ليبيا وقدرتها على عقد محاكمات عادلة. وقد عبرت البعثة عن مخاوفها من جراء الصعوبات التي اعترت ضمان التمثيل القانوني الكامل المتهمين كافة. وإمكانية حصول المحامين على ملفات القضايا المرفوعة ضدهم. ويبدو مؤخراً أن المحكمة في سبيلها لمعالجة هذه المشكلات.
وقامت البعثة بزيارة كافة المتهمين، وحظيت هذه الزيارات بدرجات متفاوتة من الرقابة عليها، في طرابلس ومصراته والزنتان. وقد تم رفض إجراء البعثة لمقابلات مع محتجزين آخرين في سجن الهضبة على أساس أنه لم تصدر بعد قرارات اتهامية بحقهم. وقد احتججت بشدة على احتجاز أحد كبار موظفي البعثة الذي كان حاضراً كمراقب لجلسة للمحاكمة في 11 مايو في سجن الهضبة. وبالرغم من أن البعثة قد تلقت اعتذاراً شفهياً وتأكيدات من السلطات الليبية على التزامها باحترام اتفاق مركز البعثة الموقع بين ليبيا وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، إلا أن الاتهامات الباطلة ضد هذا الموظف قد استمرت ولم تتم إعادة متعلقاته الشخصية. لذا قررت تعليق حضور ممثلينا لجلسات المحاكمة الأخرى في سجن الهضبة حتى يتم حل قضية زميلنا بالكامل.
ووقعت حادثة مشابهة مؤخراً. ففي طريق عودتهم من البيضاء جرى احتجاز أربعة من العاملين في البعثة من قبل السلطات الأمنية في المطار. واستمر الاحتجاز ساعة ونصف، بناء على اتهام باطل، وتخللته معاملة تتسم بالخشونة. ولم يتم الافراج عنهم الا بعد الاتصال بمسؤولي وزارة الداخلية وتذكيرهم بالتزامات ليبيا المنصوص عنها في اتفاقية المركز بين الحكومة والأمم المتحدة، عقبه تقديم احتجاج رسمي.
السيد الرئيس،
إن الوضع الحالي في ليبيا قد أدى، بطبيعة الحال، إلى إبطاء وتيرة إعادة بناء قطاع الأمن. ورغم ذلك، كان هناك، بعض التقدم في تفعيل مضمومة الأمن التي اقرها مؤتمر روما. كما قدمت المساعدة للجنة وزارة الدفاع لإعداد استراتيجية سياسة الدفاع والإدارة السليمة للأسلحة والذخائر وتأمينها.
إلا أن مضمومة الأمن لمؤتمر روما قد اشتملت على تدابير لإرساء الحوكمة في قطاع الأمن، بما في ذلك القضايا الصعبة المتعلقة بتسلم سلاح الجماعات المسلحة وإعادة ادماجها. ففي هذا الصدد لم يحصل أي تقدم يذكر.
السيد الرئيس،
اليوم تجد الأمم المتحدة نفسها مدعوة لتيسير حوار سياسي بين كافة الأطراف. وتحقيقاً لهذه الغاية، فقد ضاعفت من جهودي لحث كافة الأطراف في ليبيا لحل المأزق السياسي من خلال الوسائل السلمية وإقناعهم بأن اللجوء إلى استخدام العنف سيكون له عواقب كارثية على البلاد. وسأعقد في غضون الأيام العشرة القادمة، عقب مشاورات مع الأطراف كافة، اجتماعاً يجمع ممثلين عن الأطراف الرئيسية من ممثلي القوى السياسية والشخصيات والفعاليات بهدف صياغة اتفاق حول مبادئ ترعى العلاقات السياسية وحول الأولويات الوطنية خلال ما تبقى من الفترة الانتقالية، وحول سبل معالجة فورية لعدد من المسائل الأمنية وغيرها من الأمور الخلافية. إن المخاطر كبيرة ولن ندخر جهداً للمساعدة في منع انحدار ليبيا إلى المزيد من العنف وعدم الاستقرار.
شكراً لكم