كلمة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا، السيد يان كوبيش - في الاجتماع التشاوري لوزراء خارجية دول جوار ليبيا

30 أغسطس 2021

كلمة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا، السيد يان كوبيش - في الاجتماع التشاوري لوزراء خارجية دول جوار ليبيا

الجزائر، 30-31 آب/أغسطس 2021

أصحاب المعالي،

بدايةً، أود أن أتقدم بالشكر لحكومة الجزائر على تنظيمها لهذا الاجتماع المهم والذي جاء في وقته. ويبين حضور ممثلين رفيعي المستوى عن دول الجوار والمنظمات الإقليمية والدولية مدى أهمية هذا الحدث الذي يجمعنا معاً لمؤازرة ليبيا.

قدمت من ليبيا، حيث عقدت مشاورات مع عدد كبير من الأطراف الفاعلة والقادة والمسؤولين بمن فيهم معالي وزيرة الخارجة السيدة المنقوش بغية التباحث في سبل ضمان إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية وطنية شاملة حرة ونزيهة، والمضي قدماً نحوها في شهر كانون الأول/ديسمبر من العام الجاري، وإحراز التقدم بالنسبة للملفات الأخرى، كالملف الأمني والاقتصادي وحقوق الإنسان/القانون الدولي الإنساني والتي أقرتها عملية برلين وتشرف على متابعتها لجنة المتابعة الدولية. وأكدت كافة أطراف الحوار على التزامها بتنظيم الانتخابات بتاريخ 24 كانون الأول/ديسمبر، وقد قدمت الحكومة التمويل اللازم للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وتعمل على اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة لضمان تنظيم الانتخابات في أجواء آمنة. ولكن لم يتبق سوى إصدار الإطار القانوني وإقرار القاعدة الدستورية في الوقت المناسب في الأيام المقبلة لتتمكن الجهات المعنية من تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 كانون الأول/ديسمبر.

وفي غضون ذلك، فإن مجلس النواب بصدد وضع اللمسات الأخيرة على القانونين المعنيين بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية، إلا أن الوقت يداهمنا. وبدوري شجعت قيادة مجلس النواب وأعضائه على تحمل مسؤوليتهم التشريعية وإصدار كلا القانونين دون أي تأخير وفي الوقت نفسه اتباع الشروط الإجرائية اللازمة.

وإزاء ذلك، تواصل المفوضية الوطنية العليا للانتخابات استعداداتها للانتخابات والتي يمكن أن تنجز بغياب الإطار التشريعي، بما في ذلك تسجيل الناخبين الذي وصل إلى ما يقدر مجموعه بعدد 2.86 مليون ناخب (43% نساء)، وعملية تسجيل الناخبين في الخارج لا تزال مستمرة بالتشاور مع وزارة الخارجية الليبية وهو عمل يتطلب تعاوناً ودعماً من الدول المضيفة للمواطنين الليبيين بما فيها دولكم. وكما أكّــدت المفوضية، فإن حكومة الوحدة الوطنية خصصت التمويل الكافي للمفوضية لتمكينها من اتخاذ الاستعدادات وتنظيم الانتخابات في 24 كانون الأول/ديسمبر. وتواصل الأمم المتحدة  تقديم الدعم الفني للمفوضية.

وللمساعدة في ضمان نزاهة العملية الانتخابية، فإن المراقبة الدولية والمحلية للعملية برمتها تكتسب أهمية بالغة. وهنا، أدعو جميع الدول الأعضاء والمنظمات الإقليمية بما فيها بلدكم لإرسال فرق المراقبة بالتنسيق مع السلطات والمؤسسات الليبية، وبالأخص المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ووزارة الخارجية عندما يحين الوقت لذلك.

أصحاب المعالي،

لا تزال مصادقة مجلس النواب على ميزانية وطنية موحدة ذات أهمية بالغة، وهو ما لم يتم بعد، وذلك للسماح لحكومة الوحدة الوطنية بأن تحسن من مستوى تقديم الخدمات والإنصاف في مساعدة الشعب في جميع أنحاء ليبيا لتهيئة الظروف اللازمة لإعداد بيئة ملائمة لإجراء الانتخابات في شهر كانون الأول/ديسمبر من العام الجاري. وكل هذا يحدث في ظل أوضاع متقلبة يشوبها الاستقطاب لتهيئة أفضل الظروف الممكنة للاستعداد لانتخابات سلسة وآمنة وشاملة وحرة ونزيهة وضمان قبول نتائجها من الجميع.

أصحاب المعالي،

بتاريخ 8 تموز/يوليو، قدمت تقريراً عن المراجعة المالية الدولية إلى المجلس الرئاسي بحضور السيد رئيس الوزراء ومحافظ مصرف ليبيا المركزي ونائبه. ولعل أبرز ما توصلت إليه المراجعة هو أن توحيد مصرف ليبيا المركزي لم يعد مجرد أمر مرغوب فيه وإنما أصبح ضرورة. وعلى الرغم من أن احتياطي ليبيا من العملة الأجنبية كان محمياً بشكل كبير خلال السنوات الخمس الماضية، إلا أن الانقسام الذي أصاب مصرف ليبيا المركزي أدى إلى إضعاف سلامة المنظومة المصرفية وعرقلة الإصلاح النقدي.

وخلال اجتماعي الأخير مع محافظ المصرف المركزي، أبلغني بأن بعض الخطوات اتخذت استعداداً لتنفيذ توصيات تقرير المراجعة المالية. وسيقدم محافظ المصرف المركزي إحاطة لمجموعة العمل الاقتصادية المنبثقة عن لجنة المتابعة الدولية المعنية بليبيا في مطلع شهر أيلول/سبتمبر لطرح المستجدات المتعلقة بخطة السلطات تجاه تنفيذ التوصيات والبدء بعملية التوحيد. وقد أكدت حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي استعدادها لدعم هذه العملية.

 

أصحاب المعالي،

أما عن الجانب الأمني، أفضت الجهود الدؤوبة للجنة العسكرية المشتركة (5+5) إلى إعادة فتح الطريق الساحلي الرابط بين مصراتة وسرت مؤخراً بدعم من البعثة ودائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام بالإضافة إلى أعضاء فريق العمل المعني بالشؤون الأمنية المنبثق عن  لجنة المتابعة الدولية المعنية بليبيا. وقد رحب الشعب الليبي بهذا التطور أشد الترحيب إذ أن ثماره تؤتي أكلها لجميع الليبيين.

ومع ذلك، فإن استمرار وجود المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية لا يزال يثير القلق بالنسبة لليبيا والمجتمع الدولي بما في ذلك دول الجوار. وقد حث مجلس الأمن  عبر عدد من القرارات وتحديداً قرار مجلس الأمن (2570) والبيان الأخير الصادر في 15 تموز/يوليو، وبشدة جميع الدول الأعضاء وجميع الأطراف الليبية وكافة الأطراف ذات الصلة لاحترام التنفيذ التام لاتفاق وقف إطلاق النار في 23 تشرين الأول/أكتوبر 2020 ودعمه، بما في ذلك عبر انسحاب جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية من ليبيا دون تأخير.

إن نشر المجموعة الأولى من مراقبي الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار لا يزال جارياً. وقد حددت مرافق مؤقتة في سرت، وسوف ترسل المجموعة الأولى (إذا سمحت الظروف) خلال الأسابيع المقبلة لدعم آلية رصد وقف إطلاق النار التي تقودها ليبيا وتمسك بزمامها.

ولضمان السير التدريجي نحو التنفيذ الكلي لاتفاق وقف إطلاق النار، تعتزم اللجنة العسكرية  المشتركة (5+5) إعداد خطة عمل لانسحاب متسلسل ومرحلي قابل للتحقق منه، بدءً من انسحاب المرتزقة والمقاتلين الأجانب. والهدف من ذلك هو التشاور بشأن هذه الخطة مع الشركاء الدوليين المعنيين وطلب دعمهم وتعاونهم. فعلى دول الجوار لليبيا أن يشتركوا أيضاً في هذه العملية وخصوصاً بالنسبة لانسحاب المقاتلين الأجانب والمرتزقة. ونحن أيضاً نعمل مع وزيرة الخارجية السيدة المنقوش بشأن مبادرة الاستقرار والتي لديها أهدافاً مشابهة. ونحن نقف على أهبة الاستعداد أيضاً لدعم عملية التسريح ونزع السلاح وإعادة الإدماج وإصلاح القطاع الأمني بقيادة ليبية من أجل استقرار البلاد والمنطقة على نطاق أوسع للعمل على ذلك مع ليبيا والشركاء الدوليين بما في ذلك دول المنطقة.

وينبغي أن يصاحب انسحاب المقاتلين الأجانب والجماعات المسلحة تعزيزاً للجهود في جميع أنحاء ليبيا والمنطقة على نطاق أوسع لمعالجة الأسباب الجذرية لانعدام الاستقرار وخصوصاً عبر المصالحة الشاملة وبناء السلام وإعداد البرامج التي تركز على تمكين الشباب والمرأة. وينبغي أن تكون التدابير والبرامج المنسقة والتكميلية المدعومة والممولة بمشاركة المجتمع الدولي إلى جانب العمل الدولي الحازم لمجابهة العصابات الإجرامية لتهريب البشر والسلاح والمخدرات وكذلك التدابير التعاونية الرامية لتعزيز مراقبة المناطق الحدودية بما في ذلك ضرورة أن تشكل الآلية المدمجة لضبط الحدود وإدارتها جزءً من الحل، إذا أريد له أن يكون دائماً ومستداماً. وفي هذا الصدد، تشكل الشراكة بين الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي عاملا حاسماً.

أصحاب المعالي،

تمهيداً للأرضية لتحقيق المصالحة الشاملة، شاركت البعثة والاتحاد الإفريقي في سلسلة من ورش العمل التي عقدت في 31 أيار/مايو من قبل المجلس الرئاسي لإعداد الإطار القانوني والهيكلية للمفوضية الوطنية العليا للمصالحة. ومن المفترض أن يسهم ذلك في وضع الأسس التي تقوم عليها مصالحة وطنية طويلة الأمد تدعو للوحدة والتماسك الاجتماعي قبل انتخابات كانون الأول/ديسمبر.  ويعتزم تنفيذ العديد من الأنشطة التي تجمع النساء والشباب وشرائح متنوعة من المجتمع الليبي في الفترة المقبلة. على أن يهتدي هذا العمل بنهج حكومي كلي. وأشير إلى رؤية مشتركة للأمم المتحدة/الاتحاد الإفريقي بشأن هذه العملية والتي تستند إلى ثوابت أساسية للعدالة والمساءلة وحقوق الإنسان، وهي بالغة الأهمية لضمان السلام والاستقرار على المدى الطويل. وأرحب باستعداد الجزائر الذي أعربت عنه لمشاطرة تجربتها في المصالحة الوطنية. وخلال اجتماعي في الأسبوع المنصرم مع الرئيس المنفي، أكد على التزام المجلس الرئاسي بإحراز تقدم في هذا الملف المهم.

أصحاب المعالي،

أود أن أؤكد على موقف الأمم المتحدة الذي لطالما تمسكنا به بأن ليبيا لا تعتبر ميناءً آمناً لإنزال المهاجرين واللاجئين.

وعلى المجتمع الدولي أن يكثف عمله الجماعي والثنائي لمعالجة الأسباب التي تغذي الحركة غير النظامية للبشر، بما في ذلك انعدام الحماية أو الحماية المحدودة فقط في بلدان العبور كدولة ليبيا أو في الدول الأولى للجوء، وتوفير السبل القانونية تجنباً لفقدان الأرواح في الطريق المركزي للبحر المتوسط. وهنا، أقر بإمكانات الجهود الاستباقية المبذولة من فريق العمل المعني بليبيا والمشكل من الاتحاد الإفريقي-الاتحاد الأوروبي-الأمم المتحدة.

وهذه الترتيبات أو الاتفاقات عليها أن تعكس مسؤولية ليبيا ودول الجوار تجاه الالتزام بالمبادئ الدولية المعنية بعدم اللجوء للإعادة القسرية بما في ذلك إيقاف جميع عمليات الطرد الجماعي للمهاجرين وطالبي اللجوء، وفي الوقت نفسه تيسير الرحلات الطوعية للإجلاء والعودة وإعادة التوطين.

أصحاب المعالي،

مهمٌ أن تعمل ليبيا ودول الجوار على إدارة حدودها ومراقبتها. بيد أن على تدابير ضبط الحدود وإجراءاتها أن تنفذ على نحو يتماشى مع الالتزامات الواجبة التطبيق بموجب القانون الدولي بما في ذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين. والتطورات الإيجابية بهذا الخصوص تكمن في اتفاقات عمل ثنائية يتم التفاوض بشأنها في الوقت الحالي بين النيجر ومصر وليبيا لضبط تدفق المهاجرين. وفي الوقت نفسه، الجهود المتعلقة بالتوقيع على الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف وتفعيلها لتعزيز التعاون الأمني وعبر الحدود بين الدول التي لديها حدود مشتركة مع ليبيا، مهمة للحفاظ على الأمن الإقليمي وتعزيز التنمية الاقتصادية وبناء الثقة للتعاون الوثيق بين أنفسهم وبين ليبيا. واتفاق اللجنة الرباعية لإدارة الحدود بين ليبيا وتشاد والنيجر والسودان يبرز كمثال إيجابي على التعاون متعدد الأطراف لتأمين الحدود المشتركة ومواجهة الجريمة العابرة للحدود والتطرف المقترن بالعنف وأنشطة الجماعات المسلحة.

وبينما يأخذ هذا التعاون في التطور، فإن اتفاقيات كهذه، بما في ذلك الاتفاقيات الثنائية مع ليبيا ستستمر في بناء السلام والاستقرار في المنطقة.

وتمر ليبيا بمرحلة حرجة حيث يتعين تعزيز الإنجازات الكبيرة والتقدم الكبير الحاصل في الفترة الماضية بإضفاء المزيد من الزخم بغية مواصلة الانتقال السياسي وصولاً إلى بلد موحد يتمتع بالسيادة التامة والسلام والاستقرار. وهو أمر مهم ليس للشعب الليبي فحسب وإنما للمنطقة ككل. فالجهود المتواصلة والمتظافرة والمتوائمة من جانب دول الجوار والمجتمع الدولي مهمة لدعم الأطراف المتعددة في ليبيا وحثها على العمل معاً وتنفيذ توحيد مؤسسات الدولة، والتنفيذ التام لاتفاق وقف إطلاق النار، وتقديم الخدمات الضرورية، وحماية حقوق الإنسان وتعزيزها، والعدالة والمساءلة لليبيين والمهاجرين، والتحضير للانتخابات البرلمانية والرئاسية في 24 كانون الأول/ديسمبر.

وأود أن أجدد التأكيد على تقديري لحكومة الجزائر على تنظيمها لهذا الحدث المهم، ولعل مشاركة معالي الوزيرة المنقوش وأصحاب المعالي وزراء خارجية دول جوار ليبيا إعادة تأكيد لالتزامكم بأن يعم السلام والأمن والاستقرار في ليبيا والمنطقة على نطاق أوسع. فاستقرار ليبيا استقرار لأفريقيا.

 

أشكركم على كرم الإصغاء