كلمة الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا في جامعة بنغازي في 10 أبريل/نيسان 2012

27 أغسطس 2012

كلمة الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا في جامعة بنغازي في 10 أبريل/نيسان 2012

د. محمد الدغيم/ رئيس الجامعة
سيداتي سادتي ، الأخوة الحضور

لقد احتفلتم بالعيد الأول لثورة السابع عشر من فبراير ، واحتفلتم كذلك باليوم الذي دحرت فيه قوات القذافي أثناء هجومها على مدينة بنغازي. وبالنسبة لي، فقد مضى عام على قدومي لأول مرة لهذه المدينة في التاسع والعشرين من شهر أبريل 2011 وذلك بعد أسبوعين من تعييني من قبل الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون في مهمة تنسيق جهود الأمم المتحدة لمساعدة ليبيا عند انتهاء الصراع.

وبعد عقدي لنقاشات بخصوص الاحتياجات المستقبلية مع ممثلين عن المجلس الوطني الانتقالي وبعض مؤسسات المجتمع المدني خلال الأشهر التي تلت تعييني، ظهر لي ولزملائي وبشكل جلي بعض المبادئ التي ستحكم مستقبل الدعم الدولي . أولها هو طابع ليبيا الخاص وأهمية أن تُقيم ليبيا لذاتها وأن لا يتم مقاربتها من خلال النقل لتجارب دول مرت بظروف مشابهة. وثانياً وعلى حد متساوي مع النقطة الأولى هو احترام الإرادة الوطنية في قيادة شؤونها. لقد قامت ليبيا بصناعة ثورتها بنفسها ، ومهما كان مدى عرفان ليبيا بالمساعدة الخارجية المقدمة لها خلال الصراع والفترة الانتقالية، إلا أن ليبيا ستقرر مستقبلها لوحدها.

لقد بدر لذهني خلال هذه المدة ما كان على وشك أن يغيب عن الأمم المتحدة، غير أن الناس هنا يتذكرونه جيداً، ألا وهو الدور الذي لعبته الأمم المتحدة في استقلال ليبيا. لقد قام مفوض الأمم المتحدة السيد/أدريان بلت بتوثيق روايته حول استقلال ليبيا في عام 1951 ودور الأمم المتحدة في ذلك في كتاب مؤلف من 888 صفحة. وها أنا ذا اليوم وبعد مرور 60 عاما في غاية الإندهاش لحكمته في ذلك الوقت. وكتب يقول في كتابه" بأنه يجب أن يقوم الليبيون أنفسهم بخلق المبدأ الذي ينطلقون منه في تكوين رؤاهم الخاصة وفي وضع الخطط التي يرونها مناسبة دون تدخله الخاص أو تدخل جهات إدارية أخرى أو المجلس التابع للأمم المتحدة". وإن كان هذا هو التوجه الصحيح، كما ثبت ذلك، في بلد غير مستقل بعد حينها، إذا فهو الطريق الصحيح لنهجه بعد ستين سنة من ذلك الوقت. ولكن ليبيا اليوم تختلف عن ليبيا في عام 1951 بكثير ولكن دعم الأمم المتحدة لليبيا اليوم لليبيا يقوم على نفس الأسس، ألا وهي القدرة على الترفع عن أي مصالح لحكومات أو أقاليم معينة، والتصرف فقط بما هو في مصلحة مواطني الدولة العضو في الأمم المتحدة.

وليس لذا الأمم المتحدة أي مصالح أو أجندة أخرى في ليبيا، إلا أنها تستصحب في عملها مبادئ راسخة- ألا وهي المبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إن الأمم المتحدة عبارة عن منظمة مكونة من دول ، ميثاقها يبدأ بـ " نحن الشعوب...." ومع ذلك فإن المبادئ التي جئت بها أنا وزملائي في الأمم المتحدة هنا تتضمن الالتزام بالمشاركة الديمقراطية و تعزيز وحماية حقوق الإنسان المدنية منها والسياسية بالإضافة إلى الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، والالتزام بمبدأ المحاسبة و الشفافية، والمساواة وتمكين دور المرأة ومنظمات المجتمع المدني.

لقد كنت حاضراً في الجمعية العمومية للأمم المتحدة في 2009 عندما قام معمر القذافي بتمزيق ميثاق الأمم المتحدة فوق المنصة. وبكل سعادة، فإن مبادئ الأمم المتحدة تشمل نفس المبادئ التي قامت لأجلها الثورة الليبية والتي دفع العديد حياتهم من أجلها ولازالوا حتى يومنا هذا يعانون من جروحهم . وبالتالي فإن دور الأمم المتحدة هو تقديم الدعم لليبيا لتحقيق أهدافها. واسمحوا لي أن أعرض عليكم الكيفية التي نقدم بها هذا الدعم.

لقد تبين لي منذ نقاشاتي الأولي هنا في مدينة بنغازي بأن ليبيا الحرة ستتطلع أولاً وأخيراً للأمم المتحدة لمساعدتها في العملية الانتخابية التي ستكون من صلب عملية تحولها للديمقراطية. وكنا جاهزين للقيام بذلك حتى قبل إعتماد تفويض بعثة دعم الأمم المتحدة لليبيا في أواسط شهر سبتمبر. وبمجرد تعيين المجلس الانتقالي للجنة المشرفة عن الانتخابات، عمل فريق الانتخابات المتخصص التابع للأمم المتحدة مع هذه اللجنة التي قامت بإعداد ومن ثم تعديل الإطار القانوني لتأسيس الإدارة الانتخابية وقانون الانتخابات الرئيسي.وارتكز دور الأمم المتحدة على تقديم خيارات بديلة ونصائح فنية وفق أفضل الممارسات المتبعة في العالم في حين احترمت الأمم المتحدة حقيقة أن القرارات السياسية الجوهرية المتعلقة بالتنازلات والتسويات بين وجهات النظر المتنافسة يجب أن يعود القرار فيها لليبيين. ومثال على هذه القرارات هو القرارات المتعلقة بدور الأحزاب السياسية و اختيار نظام انتخابي جزئي أو شامل وتخصيص المقاعد وتحديد الدوائر الانتخابية. وخلال ذلك قامت الأمم المتحدة بالمشاركة في تقديم مشورتها وتوصياتها كل ما سمح الجدول الزمني الضيق بذلك. وقامت بتوفير المناخ والمتطلبات وقامت بالدعوة لتضمين أحكام تضمن شمل جميع الليبيين بالإضافة إلى أحكام التقنية الممكنة التي من شأنها أن تساهم بسرعة في إجراء أول انتخابات في ليبيا بعد عقود طويلة.

ويبدو قانون الانتخابات، الذي يعكس القرارات النهائية للمجلس الوطني الانتقالي بخصوص بعض التنازلات والتسويات الصعبة، معقداً أكثر مما تمنينا. ولكن يوفر هذا القانون من وجهة نظرنا قاعدة مناسبة لإجراء انتخابات نزيهة. ويجدر التذكير هنا بأن انتخابات المؤتمر الوطني ستكون فقط الانتخابات الأولي التي ستمهد لعملية صياغة الدستور الذي ستبنى على أساسه الانتخابات المستقبلية.

ويقع التحدي الآن على عاتق المفوضية العليا للانتخابات الوطنية. مرة أخرى فإن الفريق الإنتخابي المتخصص التابع للأمم المتحدة يعمل عن كثب مع هذه المفوضية في تخطيط عملياتهم وتأسيس إدارتهم. ونقوم بتقديم النصيحة لهم بخصوص التحديات التي تواجههم والتي تتضمن تسجيل الناخبين و اللوجستيات و العمليات الميدانية وتدريب وتسجيل الموظفين المسئولين عن مراكز الاقتراع وإدارة البيانات وعملية الترشيح والتصويت من خارج البلاد و سهولة التواصل مع الجمهور. ولدينا اليوم ما يزيد عن 20 استشاري انتخابات دولي في ليبيا والذي سيتضاعف عددهم إلى 60 متخصص بحلول نهاية الشهر الجاري موزعين على مدن بنغازي وسبها وطرابلس.

وهنا فإنني أود أن أحي أفراد المفوضية العليا للانتخابات الوطنية واللجنة الانتخابية التابعة للمجلس الوطني الانتقالي الذين عملنا ولازلنا نعمل معهم عن قرب ،حيث توجب عليهم التعامل مع تحديات كبرى دون سابق خبرة في إجراء الانتخابات. وتحتاج العملية الانتخابية في هذه المرحلة لمساعدة الجميع. كما يعتبر تثقيف الناخبين مسألة هامة جداً حيث تقوم الأمم المتحدة و العديد من المؤسسات الدولية الأخرى بالتفاعل مع المجتمع المدني ومع المفوضية العليا للانتخابات لمضاعفة الجهود المبذولة للتأكيد على تلقي الناخبين للمعلومات السليمة.

تعطي الأمم المتحدة أولوية قصوى للتأكيد على المشاركة الفاعلة للمرأة بما في ذلك المرأة الريفية والشباب. ويمتد الدور الهام الذي تلعبه مؤسسات المجتمع المدني إلى مراقبة العملية الانتخابية و تثقيف الناخبين. ويبدي الشركاء الدوليون استعدادهم لتدريب المراقبين المحليين ضمن إطار الاعتماد الذي سيتم تحديده من قبل المفوضية العليا للانتخابات.

ويعتبر الأمن بكل تأكيد من الأولويات المهمة لإجراء عملية انتخابية نزيهة. وبإمكاني أن أسلط الضوء هنا على التحدي الأكبر وهو الأمن العام. ولكن اسمحوا لي هنا أن أشير بأن الأمم المتحدة تقوم بالعمل مع وزارة الداخلية و المفوضية العليا للانتخابات لوضع خطة أمنية للانتخابات وتقديم التدريب الضروري للشرطة الليبية. وبحلول موعد إجراء الانتخابات، أتمنى أن يتم تحقيق تقدم إضافي في تعزيز وتقوية الشرطة وقوات الأمن الأخرى من خلال دمج وتدريب الثوار. يحق لجميع الليبيين المشاركة في العملية الانتخابية ولكن كأفراد أو أعضاء في كيانات سياسية بعيدا عن تأثير الكتائب المسلحة.

لقد أبلغت مجلس الأمن في إحاطة في شهر أكتوبر الماضي بأن ليبيا قد تحتاج لدروس من المجتمع الدولي في تفاصيل بناء الديمقراطية، ولكن ثورتكم تستطيع أن تقدم أيضا دروساً للمجتمع الدولي عن روح الديمقراطية. وقد ثبت ذلك في الانتخابات المحلية التي جرت في مصراتة والتي يخطط لإجرائها هنا في مدينة بنغازي. ليس هنالك أولويات أكبر للأمم المتحدة غير المساعدة في تحقيق العملية الديمقراطية في ليبيا.

وبدون شك فإن العملية الديمقراطية ستتعرض للتهديد في حال لجأت بعض المجموعات للعنف و عدم قدرة الدولة على استيعاب هذا التهديد والنظر في الأسباب التي تكمن وراءه في إطار دستوري مقبول. وإذا نظر المرء للتقارير المتشائمة عن ليبيا والتي تبثها وسائل الإعلام العالمية في الأيام القليلة الماضية، فإن المشهد العام في ليبيا يبدو قاتماً بالفعل. حيث أن الصورة تمثل ميليشيات متنازعة يزداد تهديدها للأمن من خلال تبادلها المميت لإطلاق النار ورفضها الاعتراف بشرعية المجلس الوطني الانتقالي والحكومة وسعيها لأن تكون طرفاً دائماً في المعادلة السياسية. وهي صورة لتوترات إقليمية تهدد بتمزيق الوحدة الوطنية أو على الأقل تقسيمها إلى جزيئات تحكمها فصائل مسلحة متنازعة ، وكذلك عمليات ثأر وتعذيب خارجة عن نطاق السيطرة بدلاً من التقدم نحو المصالحة وسيادة القانون.

وأنا أؤمن بأن هنالك العديد من الجوانب التي تم تشويهها في هذه الصورة بالرغم من أننا لا نستطيع إنكار بعض هذه الحقائق التي بنيت عليها.

من الصعب في البداية على غير الليبيين فهم مدى عمق الموروث الكارثي الذي خلفته 42 عاما من حكم نظام القذافي بالإضافة إلى ضعف عملية بناء البلد والدولة التي أعقبتها. ويواجه المسئولين الحاليون الذين يتصدون لبناء الدولة في عديد من المجالات تحدي البدء من مستوى متدني جدا مع عدم تواجد مؤسسات حديثة ومسؤولة للدولة. وفي بعض الجوانب الأخرى يكاد يكون فيها الموروث أسوأ من ذلك بكثير متمثلاً في ممارسات فاسدة وانتهاكات لحقوق الإنسان و الفرقة المفتعلة بين القبائل والمجموعات الأخرى. وحتى الليبيون أنفسهم وبوعيهم بهذا الموروث، فإن عدم الصبر في التغلب على هذا الموروث قد يعني توقعات غير منطقية. وخصوصاً أن العجز هو عجز مؤسساتي وليس مالي.

ويوجد كذلك عجز دستوري وسيكون هنالك الكثير من الجدل حول ليبيا الجديدة في المستقبل. لعل أكثر الأشياء التي أدهشت العالم حول الثورة الليبية التي خيضت محليا هو تمسكها بوحدة التراب الليبي.وحتى لمن لديهم معرفة قليلة بتاريخ الجدل الدستوري القائم في سنتي 1950-1951 لن يتفاجؤوا أن الجدل سيتركز على العلاقة بين الحكم المحلي والمركزي والإقليمي.وفي سنة 1950-1951 بدأ هذا الجدل بانقسام حاد و لكن في النهاية لاحظ ادريان بلت الاتي:
إن الاتفاق على [توزيع السلطات] يمكن أن يبعد كل الاطراف عن الجدل الذي لا طائل من ورائه حول معنى مصطلحات مثل "الفيدرالية" و "المركزية " و يتحول هذا الجدل الى تبادل مثمر لوجهات النظر وتعريف عملي للسلطات المركزية والمحلية ( الصفحة 469 ).

هذا لا يعني بأن القرارات التي سيتم اتخاذها في المستقبل يجب أن تكون على غرار تلك التي اتخذت في سنة 1951, ولكن يعني أن تتم مناقشة هذه القرارات بنفس الواقعية ضمن إطار متفق عليه في صياغة الدستور. ان الخطوات العملية لتحقيق اللامركزية في الخدمات لا تحتاج للانتظار لصياغة الدستور.

و الجانب الأخر الذي أعتقد أن الكثير من خارج ليبيا يسيئون فهمه هو فيما يتعلق بكتائب الثوار.ليس فقط لأنهم يستحقون الاحترام والتقدير لما قدموه من تضحيات أثناء الثورة و لكن أيضا لأجل مساهمتهم في إرساء أسس الأمن عندما كانت القوات الحكومية غير جاهزة لأداء مهامها. وقد قام الثوار بعملهم هذا دون مقابل، وفي بعض الأحيان بمقابل زهيد.

وفي الإيجاز الأخير الذي قدمته لمجلس الأمن, قمت بتقديم إنطباع معاكس للذي تناقلته التقارير الإعلامية لبعض وكالات الأنباء. وبالرغم من أن الثوار يسعون لضمان سير عملية التغيير التي قاتلوا من أجلها على المسار الصحيح، إلا أن هناك مؤشرات ضئيلة بأنهم يسعون لاستمرار تواجد كتائبهم خارج نطاق سيطرة السلطات. بالإضافة إلى ذلك، فإننا نشهد بعض التقدم الملموس في تطور سيادة الدولة وبسط سلطتها على هذه الكتائب في ما يتعلق بتوفير الأمن. إن من مصلحة هذه المجالس العسكرية والكتائب ذات القيادة والمسؤولية المساعدة في التأكيد على عدم السماح لعناصرها الغير منضبطة في إعاقة عملية سيادة الدولة.

إن دعم الجهود الرامية لإرساء الأمن العام يعتبر من الأسس التي فُوضت من أجلها مهمة الأمم المتحدة في ليبيا. حيث تقدم الأمم المتحدة الدعم على مسارين متوازيين وهما :تطوير قوات الأمن للدولة وخاصة الشرطة الليبية و دمج الثوار في قوات الأمن أو تسريحهم وإعادة دمجهم في الحياة المدنية. ويعمل مستشارو الشرطة في الأمم المتحدة مع وزارة الداخلية الليبية في مجالات التدريب و الدعم اللوجستي و أمن الانتخابات والتوعية الإعلامية بالإضافة إلى تطوير خطة إستراتيجية للشرطة والتنسيق لتبادل المساعدة من المجتمع الدولي.لقد ساعد فريق الدعم في تطوير منهج تدريبي لدمج الثوار وسيتم هذا التدريب في ليبيا و الأردن و تركيا. وتقدم الأمم المتحدة المساعدة كذلك لوزارة العمل من خلال تطوير وخلق فرص اقتصادية لإعادة دمج الثوار. إن التحدي الأكبر يتمثل في حراسة الحدود الليبية , حيث تعمل الأمم المتحدة مع الإتحاد الأوروبي و شركاء دوليين لتقديم مساعدة مشتركة ومنسقة مع الخطط الليبية بهذا الشأن. وتقوم وكالاتنا الإنسانية بدعم أعمال إعادة تأهيل مراكز احتجاز المهاجرين، وتقوم بمساعدة اللاجئين بما في ذلك العائلات السورية.

ويتركز الجانب الثالث على حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية وتفعيل دور القانون بالإضافة إلى المساعدة في الانتخابات و الأمن العام. حيث طلب المجلس الانتقالي والحكومة ومؤسسات المجتمع المدني من الأمم المتحدة بشكل دائم تركيز الجهود على هذا الجانب. وقد أشرت الى الموروث المروع لانتهاكات حقوق الإنسان في عهد نظام القذافي وأثناء الحرب في السنة الماضية. وسيتطلب كشف الحقيقة كاملة وقتاً طويلاً، والأمم المتحدة مستعدة لتقديم المساعدة إلى لجنة كشف الحقائق والمصالحة التي قد تأسيسها وفقا لقانون العدالة الانتقالية. وفي أثناء ذلك، يجب أن تبذل جميع الجهود الممكنة لمعرفة مصير الآلاف من المفقودين. وهنا أيضا تقدم الأمم المتحدة كذلك مساعدتها الفنية في هذا المجال. ويجب أن تلعب المجموعات المعنية بقضايا الضحايا دورا مهما في عملية العدالة الإنتقالية ولازال هنالك العديد من النقاش الواجب القيام به حول تعزيز العدالة الإنتقالية والمصالحة الوطنية. وقد قمنا بإجراء نقاشات وحوارات في الجامعة مؤخراً. تقوم الأمم المتحدة بدعم وزارة العدل في إعادة تفعيل النظام القضائي ويشمل ذلك إحصاء المعتقلين والتجهيز للتحقيق ومحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم كبيرة أثناء عملهم كأعضاء في النظام السابق أو خلال الصراع.

اليوم نرى أن أغلبية الآلاف الذين تم اعتقالهم في نهاية الصراع يتم احتجازهم خارج خارج سيطرة الدولة وبدون اجراءات قانونية. وقد تعرض العديد منهم للتعذيب ومات البعض منهم وهم رهن الاعتقال. وقد استمرت الاعتقالات خارج نطاق القانون مما زاد من المخاوف الكبيرة للمجتمع الدولي. ولكن يجب أن يكون هذا الشيء أولاً وأخيراً مصدر قلق لليبيين الذين قاموا بالثورة وقاتلوا باسم حقوق الإنسان. وتواجه الدولة مشكلة حقيقية في قدرتها على تحمل مسؤولية المعتقلين الذي ترغب كتائب الثوار في تسليمهم. وهناك بعض الكتائب التي تبذل جهداً كبيراً لتوفير ظروف اعتقال جيدة للموقوفين. ولكن ذلك من مسؤولية الدولة. ومرة أخرى أود الإشارة بأن سمعة الثوار يمكن أن تتضرر في حال لم يراعوا حقوق المعتقلين ويعملوا على إحالة كل المعتقلين الى حكم القانون وتسليم المعتقلات.

يجب أن لا يعتمد احترام حقوق الإنسان في ليبيا على النقد الموجه من قبل المجتمع الدولي , و لكن يجب أن يكون نابعاً من التزام الليبيين أنفسهم للإيفاء بتعهدات الثورة في بناء ليبيا جديدة يحترم فيها سيادة القانون بشكل كامل. يمكننا أن نرى الالتزام من قبل منظمات المجتمع المدني الجديدة والتي ترغب بشكل كبير في تلقي التدريب المتعلق بمراقبة حقوق الإنسان الذي تقدمه الأمم المتحدة في الوقت الحالي. وقد وافقت الأمم المتحدة على التعاون مع مجلس الحريات المدنية و حقوق الإنسان في مجال تدريب لموظفيها وتبادل وجهات النظر على نحو دائم حول المشاكل المتعلقة بحقوق الإنسان.

اؤمن بأن ليبيا الجديدة دولة ذات حس قوي لقيم حقوق الإنسان والديمقراطية والمسؤولية والشفافية وذلك لأن هذه القيم هي قيم مخالفة لما عانى منه الليبيون لفترة طويلة. إن روح الثورة التي فتحت المجال واسعا أمام مساهمة الشباب والنساء يجب أن تستمر في إلهامكم الآن ومستقبلاً. يجب أن يتوقع كل شخص في أي منصب قيادي كان أن يجد نفسه عرضة للنقد الذي ما كان ليسمح به نظام القذافي. يشرفني أنا وزملائي في الأمم المتحدة أن نشهد ونساعد في دعم الجهود المبذولة على مستوي وطني ومحلي للتغلب على موروث الماضي والبدء في الانتقال إلى حكم ديمقراطي على المستويين الوطني والمحلي يكون مسؤولاً أمام مجتمع مدني قوي .وعلى الرغم من كل المشاكل وأوجه القصور التي تواجهها التجربة الليبية ، إلا أنها في وضع أفضل من العديد من الأمثلة لتجارب دول مرت بنفس الظروف والتي كان لديها خبرة مؤسسية تعتمد عليها. وبالرغم من التحديات التي تواجه ليبيا، إلا أن الأمم المتحدة ستستمر في متابعة ودعم ليبيا في عمليتها الانتقالية كشريك دون أي أجندة أخرى باستثناء المبادئ التي تشترك فيها مع الثورة التي بدأت هنا يوم 17 فبراير من العام الماضي.