كلمة الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا خلال ورشة عمل بشأن حقوق الإنسان لمنظمات المجتمع المدني

27 أغسطس 2012

كلمة الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا خلال ورشة عمل بشأن حقوق الإنسان لمنظمات المجتمع المدني

أصدقائي الأعزاء

قامت الثورة الليبية باسم حقوق الإنسان، حيث بدأت كما يعلم الجميع باحتجاجات على خلفية اعتقال محام عن حقوق الإنسان كان قد قام بحملة باسم عائلات الضحايا الذين اختفوا في مذبحة سجن أبو سليم. ولقد انضم العديد منكم لهذه الثورة من أجل إنشاء ليبيا جديدة حيث يستطيع الليبيون التعبير عن آرائهم بحريةويمكنهم التجمع بحرية بعيداً عن الاعتقالات التعسفية والتعذيب والاختفاء القسري والقتل على يد دولة لم تسمح لمواطنيها بالتمتع بحقهم في الشفافية ومبدأ المساءلة.

وتعمل الأمم المتحدة في جميع أنحاء العالم، غير أن العمل في ليبيا اليوم يعتبر شرفاً كبيراً لنا. ونحن نفهم أن العملية الانتقالية في ليبيا فريدة من نوعها وأنه ينبغي لليبيا أن تُفهم لذاتها وألا يتم التعامل معها من خلال نقل تجارب دول مرت بمرحلة ما بعد الصراع.كما أنّا نحترم الملكية الوطنية: فلقد صنعت ليبيا ثورتها بنفسها، ومهما كان مدى عرفان ليبيا فيما يتعلق بالمساعدة الخارجية التي تم تقديمها لها خلال مرحلة الصراع والفترة الانتقالية، فإن ليبيا هي التي ستقرر مستقبلها.

وليس لدى الأمم المتحدة أي مصالح أو أجندة أخرى في ليبيا باستثناء العمل لمصلحة شعب ليبيا بصفتها دولة عضوا، غير أن الأمم المتحدة تأتي ومعها مبادئ راسخة- ألا وهي المبادئ الواردة في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إن الأمم المتحدة عبارة عن منظمة مكونة من دول، غير ان ميثاقها يبدأ بـ " نحن الشعوب..." وتشمل المبادئ التي نعمل بموجبها أنا وزملائي في الأمم المتحدة: الالتزام بالمشاركة الديمقراطية وتعزيز وحماية حقوق الإنسان المدنية منها والسياسية بالإضافة إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والالتزام بمبدأ المساءلة والشفافية، والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، وأهمية المجتمع المدني.

وهذا السبب الذي دفعني للعمل مع الأمم المتحدة. كما أن خلفيتي الخاصة تجعل من عملي في ليبيا وكذلك وجودي مع المجتمع المدنياليوم شرفاً خاصاً. ولم أزر ليبيا في حياتي قبل قدومي لها العام الماضي، ولكن خلال عملي كأمين عام لمنظمة العفو الدولية، وهي منظمة دولية معنية بحقوق الإنسان، كنت مدركاً لطبيعة نظام القذافي حيث قام الباحثون التابعون للمنظمة بتوثيق انتهاكاته، وقام موظفونا بالعمل مع السجناء السياسيين وضحايا التعذيب. وآمل أن يكون هذا العمل قد ساعد البعض في النجاة ليكونوا اليوم جزءا من عملية بناء ليبيا الجديدة.

ولقد كنت حاضراً في قاعة الجمعية العمومية بصفتي مسؤولا لدى الأمم المتحدة عندما قام القذافي بتمزيق ميثاق الأمم المتحدة بينما كان يلقي بكلمته من على المنبر. وما يبعث على السعادة أن المبادئ التي تقوم عليها الأمم المتحدة تشتمل على ذات المبادئ التي قامت من أجلها الثورة الليبية والتي ضحى العديد من أجلها بحياتهم أو لا زالوا حتى اليوم يعانون من الجراح. وبالتالي، فإن دور الأمم المتحدة هو دعم ليبيا في تحقيق أهدافها وبالأخص في الجوانب الثلاث المهمة وهي: عملية التحول الديمقراطي من خلال الانتخابات وصياغة الدستور، وتأسيس الأمن العام، والعدالة الانتقالية ، وحقوق الإنسان و سيادة القانون.

وتنص المادة رقم 21 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على التالي "إن إرادة الشعب هي أساس سلطة الحكومة، ويتم التعبير عن هذه الإرادة من خلال انتخابات دورية ونزيهة تتم بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة، وتجرى بالاقتراع السري أو حسب إجراءات مماثلة تضمن حرية التصويت". وسيشرع في الأيام القليلة القادمة في تسجيل الناخبين في جميع أرجاء ليبيا لانتخاب المؤتمر الوطني. وبالتالي، فإن الوقت قد حان لإطلاق حملة توعية للناخبين وصولاً لأكثر المواطنين الليبيين تهميشاً. ومن منطلق أن حق التصويت هو أحد حقوق الإنسان، فإن الانتخابات يجب أن تجري في جو يملؤه الاحترام لحقوق الإنسان بغض النظر عن الاختلافات السياسية أو أي اختلافات أخرى. وتعمل الأمم المتحدة بشكل يومي مع المفوضية العليا للانتخابات، وتقوم مع شركاء دوليين بالعمل مع المجتمع المدني الذي يلعب دوراً أساسيا في حماية حقوق الإنسان وضمان إجراء عملية انتخابية عادلة ونزيهة.

وستقدم انتخابات المؤتمر الوطني الأسس لصياغة الدستور. وتتطلب عملية صياغة الدستور الخبرات في هذا المجال، غير أن هذه العملية تحتاج كذلك إلى عملية مشاورات واسعة النطاق مع الشعب. ويجب أن يقدم الدستور ضمانات قوية لحقوق الإنسان. ولقد آن الأوان لمؤسسات المجتمع المدني أن تشرع في تجهيز نفسها لهذه المهام، وستكون الأمم المتحدة على أهبة الاستعداد لدعم هذه العملية.

والدور الثاني والمهم للأمم المتحدة هو دعم تأسيس الأمن الوطني. حيث كانت الأجهزة الأمنية في عهد القذافي مسخرة لانتهاك حقوق الإنسان، غير أن تأسيس قوات أمن فعالة يعتبر في غاية الأهمية لكي يتمتع المواطنون بهذه الحقوق. وتعمل الأمم المتحدة في المساعدة على بناء قوات أمن تحمي حقوق الإنسان، ويشمل ذلك إدماج وتدريب الثوار. وتستحق كتائب الثوار هذه الاحترام والتقدير للتضحيات التي بذلتها خلال الثورة. وقد قامت بعض الكتائب بالاستمرار في تأدية مهام أمنية مهمة في الوقت التي كانت فيه القوات النظامية غير جاهزة لتأدية هذه المهام. وفي بعض الحالات، قامت كتائب الثوار بهذه المهام دون مقابل لفترة طويلة، أو دون مقابل مجزي في حالات أخرى. وخلافا للانطباعات التي خلفتها بعض تقارير وسائل الإعلام الدولية، فإنه ليس هناك ما يدل على أن كتائب الثوار ترغب في استمرار عملها ووجودها خارج نطاق سلطة الدولة. ومن مصلحة المجالس العسكرية والكتائب التي لديها قيادات مسؤولة وانضباط أن تساعد في ضمان عدم السماح للعناصر غير المنضبطة بمقاومة وعرقلة عملية إستلام الدولة لزمام الأمور. فهذا أمر حيوي لإجراء انتخابات نزيهة: فلكل الليبيين الحق في المشاركة في العملية الإنتخابية، ولكن كأفراد أو أعضاء في الأحزاب السياسية، وليس من خلال تأثير الكتائب المسلحة. كما يجب دعم واحترام مبادئ حقوق الإنسان بشكل كامل أثناء توفير الأمن خلال الانتخابات.

ولقد قام كل من المجلس الوطني الإنتقالي والحكومة ومؤسسات المجتمع المدني بالطلب من الأمم المتحدة أن تركز جهودها على الجانب الثالث المتمثل في حقوق الإنسان والعدالة الإنتقالية وسيادة القانون وذلك إضافة إلى جانبيْ الانتخابات والأمن العام. إن كشف الحقيقة الكاملة حول التركة الرهيبة المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبت في زمن القذافي وفي السنة الماضية أثناء مرحلة الصراع سيستغرق وقتا من الزمن.وتقف الأمم المتحدة على أهبة الاستعداد لمساعدة لجنة المصالحة الوطنية وتقصي الحقائق التي تم تشكيلها وفقا لقانون العدالة الانتقالية، كما أن تنفيذ القانون يعد أمراً ملحاً. وفي غضون ذلك، لا بد من بذل كافة الجهود الممكنة لتحديد مصير الآلاف من المفقودين، وهنا أيضا تقوم الأمم المتحدة بتقديم المساعدة الفنية اللازمة. كما ينبغي على المنظمات المعنية بالضحايا أن تلعب دورا هاما في عمليات العدالة الانتقالية، حيث لا تزال هناك حاجة كبيرة إلى أن تقوم مؤسسات المجتمع المدني بتشجيع الحوار العام حول كيفية تعزيز العدالة، والتعويضات وإجراء المصالحة الوطنية.

إن من واجب الدولة تحقيق العدالة وضمان ألا يقوم الآخرون بإقامة العدل بأنفسهم. وفي حين لا يمكن جلب كافة الجناة للعدالة في الحالات التي تم فيها إرتكاب عدد كبير من الانتهاكات، فإن الموقف الثابت للأمم المتحدة هو ألا يكون هناك عفو عن الجرائم التي ارتكبت ضد الإنسانية وجرائم الحرب أو انتهاكات حقوق الإنسان الأكثر خطورة. ونحن ندعم وزارة العدل في استئناف عمل نظام العدالة، بما في ذلك فرز المعتقلين ذوي العلاقة بالصراع والتحضير لإجراء التحقيقات ومحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم خطيرة بإعتبارهم أعضاء في النظام السابق أو مشاركين في الصراع.

فاليوم يتم احتجاز الغالبية العظمى من الآلاف الذين تم اعتقالهم في نهاية الصراع خارج نطاق السجون التابعة للدولة ودون مراجعة قانونية. وقد تعرض العديد من المحتجزين للتعذيب، وبعضهم توفي في الحجز. كما يؤسفني أن أقول أننا مضطرون لهذا اليوم أن نقدم تقاريرا إلى السلطات عن وقوع حالات وفاة مؤخراً في مراكز الاحتجازإضافة إلى وجود أدلة على التعذيب والاعتقالات المستمرة خارج نطاق القانون. وقد أدى ذلك إلى تصاعد القلق الدولي بشكل كبير، ولكن أولا وقبل كل شيء ينبغي أن يكون هذا مصدر قلق لليبيين الذين ثاروا باسم حقوق الإنسان، فهناك مشكلة حقيقية تكمن في قدرة الدولة على تولي مسؤولية المحتجزين الذين ترغب كتائب الثوار في تسليمهم، كما أن بعضاً من هذه الكتائب تبذل قصارى جهدها لتوفير أوضاع معقولة للاحتجاز. ولكن هذه المهام تعتبر من مسؤوليات الدولة، ومرة أخرى فإن من مصلحة الثوار وسمعتهم، أن يقوموا بمنع الإعتداءات وتقديم جميع المحتجزين لسيادة القانون في أقرب وقت ممكن.

كما ينبغي ألا تكون حماية حقوق الإنسان في ليبيا معتمدة على الانتقادات الدولية، ولكن على التزام من الليبيين أنفسهم للوفاء بعهد الثورة الذي ينص على بناء ليبيا جديدة يتم فيها احترام سيادة القانون. ويجب على منظمات المجتمع المدني أن تقوم بمراقبة حقوق الإنسان، وأن تكون جاهزة لوضع الضغوطات على الدولة وعلى كتائب الثوار من أجل القضاء على حوادث التعذيب، كما يجب عليكم زيارة أماكن الاحتجاز والإبلاغ عن الانتهاكات. إن الأمم المتحدة على استعداد لتقديم التدريب الخاص فيما يتعلق بتقنيات الرصد والإبلاغ، وذلك بالاستناد إلى المعايير الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها ليبيا. وندعوكم إلى تشكيل شبكات تعمل في كافة أرجاء البلاد وزيادة وتعزيز مستوى أنشطة الدفاع: وسيكون لديكم التشجيع والدعم من الأمم المتحدة.

أعتقد أن ليبيا الجديدة بلد لديه إحساس قوي بقيم حقوق الإنسان والديمقراطية والمساءلة والشفافية، وذلك لأن هذه القيم على وجه التحديد هي عكس ما كان الليبيين يعانون منه لفترة طويلة. وينبغي لروح الثورة التي فتحت المجال لمساهمات الشباب والنساء أن تستمر في إلهام طريق المستقبل .فهذا الطريق لن يكون سهلا، حيث لا تزال مخلفات وإرث الزمن الماضي عقبة يتعين التغلب عليها. ويمكن لمنظمات المجتمع المدني أن تلعب دورا حاسما في إبقاء ليبيا على المسار التي حددته لنفسها، وإجراء انتخابات نزيهة، وصياغة دستور لليبيا جديدة تتمتع بالديمقراطية وتشمل الجميع، وبناء مؤسسات أمنية تخضع لرقابة ديمقراطية تدافع عن حقوق الإنسان، و تحقيق العدالة الانتقالية للضحايا وحماية حقوق الإنسان للجميع.