تأثير الإعلام أثناء النزاع: صحفيون ليبيون يستكشفون الدعاية والتحيز والتضليل
طرابلس – في أوقات النزاع أو عدم الاستقرار، يمكن لوسائل الإعلام تعميق الانقسامات والتحريض على العنف من خلال نشر الدعاية والمعلومات الكاذبة، وتشويه القصص، وتصوير الخصوم على أنهم أشرار أو أقل من البشر.
حيث أكد مجموعة من الإعلاميين، أن جميع هذه الأساليب شائعة في ليبيا، وذلك خلال نقاش عبر الإنترنت حول هذا الموضوع، عُقد في 24 يوليو، ضمن برنامج التطوير المهني «بصيرة» التابع لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
خلال الجلسة، قدّم الدكتور محمد وسام عامر، الباحث الزائر في جامعة كامبريدج وعميد قسم علوم الاتصال واللغات في جامعة غزة، بعضًا من أبحاثه حول التغطية الإعلامية لحرب غزة. وشارك في النقاش خمسون شخصًا، من بينهم صحفيون وأساتذة وطلاب إعلام ومدققو حقائق.
وقال الدكتور عامر: «الإعلام في زمن الحرب ليس مراقبًا محايدًا، بل قد يكون سلاحًا فتاكًا تستخدمه مختلف الأطراف لبناء الحقائق، وتبرير العنف، وتوجيه الرأي العام محليًا ودوليًا.»
مضيفًا إن نشر الدعاية، أو استخدام رسائل انتقائية أو مضللة للتأثير على الرأي العام لصالح أجندات عسكرية أو سياسية، ونشر معلومات كاذبة –سواء بسذاجة أو بسوء نية– ربما تكون من أشهر أساليب التأثير الإعلامي.
وأضاف الدكتور عامر أن من الأساليب الأخرى فرض تفسيرات محددة وإسكات الروايات البديلة، أو إعطاء الأولوية لمواضيع معينة وتجاهل أخرى، وأضاف أنه باستخدام تكتيك يُسمى «التأطير الإعلامي،" قد تقول وسائل الإعلام الغربية «هجمات حماس،» بينما قد تقول وسائل الإعلام العربية التي تغطي القصة نفسها «عدوان إسرائيلي» أو «مجزرة». وغالبًا ما تُستخدم لغة مُنقّحة لتخفيف حدة العنف – مثل «ضربات دقيقة» بدلاً من «قصف،» أو«أضرار جانبية» بدلاً من «وفيات المدنيين.»
وكما أشار الدكتور عامر إلى أن وسائل الإعلام قد تعمل أيضًا على تصوير العدو على أنه غير شرعي، أو مرتبط بمؤامرات أجنبية، أو تطبق معايير أخلاقية مختلفة على جهات فاعلة مختلفة. من المهم أيضًا الانتباه إلى أساليب التأثير الأكثر دقة، مثل التحيز والتلاعب العاطفي والتقارير الانتقائية. وباستخدام ما يسميه الدكتور عامر «نزع الصفة الإنسانية،» تشير وسائل الإعلام الغربية أحيانًا إلى المقاتلين الفلسطينيين على أنهم «إرهابيون» أو «برابرة،» بينما تشير وسائل الإعلام العربية أحيانًا إلى الجنود الإسرائيليين على أنهم «وحوش في هيئة بشرية،" مضيفًا: «الإعلام ليس مرآة للحرب، بل هو من يصنع الروايات.»
وفي استطلاع رأي أُجري بعد الحدث، قال جميع المشاركين باستثناء واحد إن التحيز السياسي قضية واسعة الانتشار وراسخة في وسائل الإعلام الليبية.
وأشار خمسة وثمانون بالمائة من المشاركين إلى أنهم لاحظوا استخدام الدعاية والتأطير الإعلامي في وسائل الإعلام الليبية. وقال ستة وسبعون بالمائة منهم إن المعلومات المضللة والمعلومات المضللة تُمثل مشكلة، بينما أعرب 71 بالمائة عن قلقهم بشأن اللغة المتحيزة أو المُحمّلة. كما أعرب أقل بقليل من النصف عن قلقهم بشأن أساليب نزع الصفة الإنسانية.
وكانت ملكية الجماعات السياسية أو المسلحة لوسائل الإعلام هي الدافع الأكثر شيوعًا، بين المشاركين، لأساليب التلاعب (85 بالمائة). وكانت الدوافع الأكثر شيوعًا هي الضغط أو الترهيب من الجهات الفاعلة ذات النفوذ (67%)، ونقص التدريب بين الصحفيين (62%)، والحوافز المالية، بما في ذلك التمويل الأجنبي (57%).
قال موسى وانتيتي، وهو مدقق حقائق من نالوت حضر الجلسة: «إن آليات التأثير هذه تجعل من الصعب على الجمهور التمييز بين الحقيقة والدعاية والمعلومات المضللة والمعلومات المغلوطة، إلا من خلال مقارنة المصادر والتحقق النقدي من المحتوى،» مضيفًا: «لا تُشكل وسائل الإعلام العربية نقيضًا حقيقيًا لوسائل الإعلام الغربية. بل إنها تستخدم نفس أدوات التأثير من زاوية مختلفة، دون تقديم خطاب نقدي مستقل.»
وأعتبر رمضان الكدار، وهو صحفي من طرابلس، إن وسائل التواصل الاجتماعي تُعقّد المشكلة، قائلاً: «أصبح كل شخص منصة إعلامية بحد ذاته،» ولا يقل التلاعب والمعلومات المضللة والمعلومات المغلوطة شيوعًا في وسائل الإعلام الجديدة – إن لم يكن أكث.
مضيفًا «لم يعد الصحفي وحده هو من يصنع الرواية. الآن، يمكن لطفل في غزة بهاتف معطل أن يهزّ الرأي العام العالمي أكثر من أكبر قناة إخبارية.»
فيما أعتبر الصحفي مصطفى ولدة، من مصراتة، إن الخطوة الأولى لمعالجة بعض هذه القضايا هي القدرة على تحديدها.
قائلاً: «في سياق الصراع، تُستخدم وسائل الإعلام لتوجيه الرأي العام، ويمكن أن تؤجج الانقسامات وتُبرّر العنف. إن فهم هذه التقنيات يُساعد على كشف المعلومات المضللة، وحماية الجمهور، وتعزيز دور وسائل الإعلام كأداة للحقيقة – لا أداة للسيطرة.»