كلمة الممثل الخاص للأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، غسان سلامة، بمقتضى قرار مجلس حقوق الإنسان رقم 37/45

26 سبتمبر 2018

كلمة الممثل الخاص للأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، غسان سلامة، بمقتضى قرار مجلس حقوق الإنسان رقم 37/45

الدورة التاسعة والثلاثون لمجلس حقوق الإنسان


السيد الرئيس،

أعضاء المجلس الموقرين،

أود أن أشكركم على دعوتكم لي لمخاطبة مجلس حقوق الإنسان. وأود ايضاً أن أعرب عن امتناني لسماحكم لي بمخاطبة مجلسكم عبر رسالة مسجلة.
 

وفيما كان سيشرفني الحضور ومخاطبة المجلس بشكل مباشر، إلا أن الاضطرابات هنا في طرابلس تحول دون قيامي بذلك. 

إذ اندلعت أعمال العنف في المدينة في 26 آب/أغسطس مع انتقال المجموعات المسلحة إلى حالة النزاع المباشر. ومنذ ذلك الحين، لقي ما لا يقل عن مائة وعشرين ليبياً مصرعهم واصيب أربعمائة آخرون بجروح، فيما حاولت آلاف العائلات المقيمة في المناطق المتأثرة بالنزاع الفرار إلى مناطق آمنة. وكانت مخيمات النازحين عرضة لنيران المتقاتلين، وغرقت المدينة في الظلام وشحت المياه فيها ونُهبت المنازل ونفذت المجموعات المسلحة عمليات اختطاف ضد مدنيين هم في تصورها مؤيدين لخصومهم. ولحقت بالمنشآت الحيوية أضرار فادحة، بما في ذلك المنشآت النفطية.
وفي 4 أيلول/سبتمبر، قمنا بالتوسط للتوصل إلى وقف لإطلاق النار تمخضت عنه تهدئة للأعمال العدائية استمرت عشرة أيام. وقطعنا شوطاً نحو تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار في 9 أيلول/ سبتمبر وذلك من خلال خطوات ملموسة تهدف إلى إستبدال المجموعات المسلحة التي تسيطر على العاصمة بقوات نظامية من الشرطة والجيش. ويتوخى اتفاق تثبيت وقف إطلاق النار الذي وقّع في 9 أيلول/ سبتمبر انسحاب المجموعات المسلحة من المؤسسات السيادية والمنشآت الحيوية.
فالترتيبات السابقة في طرابلس لم تفلح في التوصل إلى أمن حقيقي في العاصمة، بل أدت فقط إلى انعدام الاستقرار. غير أنه لا يمكننا استبدال مجموعة مسلحة بمجموعة مسلحة أخرى، كما أننا لا يمكن أن نسمح بوقوع انقلاب ضد الحكومة.

لقد دفعنا باتجاه اتخاذ خطوات ملموسة ومتوازنة لبناء المؤسسات الأمنية في الدولة وفق إطار زمني موثوق. ونحث السلطات الليبية على مراجعة الترتيبات الأمنية في طرابلس لتغيير هذا الوضع الراهن غير المحتمل وغير القابل للاستمرار. 

أعضاء المجلس الكرام

تعكس الأحداث الدائرة حقيقة أكبر وهي أن الأمن لا يمكن أن يظل في قبضة المجموعات المسلحة، بل يجب أن يكون في يد الدولة. 

فسيطرة المجموعات المسلحة لا تقتصر على العاصمة غير أنه المثال الأكثر وضوحاً. حيث نرى الأضرار في جميع أنحاء البلاد ونرى في الكثير من الاحيان ممارسات غير إنسانية ترتكبها المجموعات المسلحة.

في ليبيا، تنشط المجموعات المسلحة في مناخ يسوده الإفلات من العقاب مضطلعة بدور إنفاذ القانون، ويشمل ذلك صلاحيات توقيف المشتبه بهم واحتجازهم واستجوابهم. فقد احتجزوا الآلاف من الرجال والنساء والأطفال بشكل تعسفي ولفترات مطولة، كما هاجموا مسؤولين في السلطة القضائية واعتدوا عليهم؛ وقاموا بنقل المحتجزين من مكان إلى آخر حسب أهوائهم؛ وارتكبوا أعمال التعذيب وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان.

وفي عدة مدن وبلدات، يتم القبض على المدنيين بصورة متكررة من الشوارع أو من منازلهم دون إجراءات قانونية وفي بعض الأحيان لمجرد معارضتهم لهم في الرأي. بعضهم يعاود الظهور في السجون حيث يتعرضون للتعذيب، فيما يتم العثور على جثث آخرين ملقاة في قارعة الطريق، وينضم آخرون ببساطة إلى القائمة الطويلة للمفقودين والمختفين منذ عام 2011، فيما يتعرض الأجانب للاختطاف، كما رأينا مؤخراً في مدينة أوباري الجنوبية.

وتجري عمليات الاتجار بالبشر بشكل متكرر في مدن متفرقة في البلاد. ويتم تهريب الوقود بشكل علني، كما يتضح من خلال قوافل الشاحنات المتجهة إلى الحدود. وقد استولت المجموعات المسلحة فعلياً على المصافي والموانئ ووحدات توليد الطاقة في جميع أنحاء ليبيا.

من هنا يجب التصدي لمسألة الإفلات من العقاب، ويجب معاقبة جميع مرتكبي الانتهاكات الجسيمة وفقاً لذلك. ويجب فرض العقوبات وتقديم الجناة إلى المحاكم الوطنية أو المحكمة الجنائية الدولية. 

السيد الرئيس،

في الشرق، تتصرف المجموعات المسلحة المرتبطة بالجيش الوطني الليبي في حصانة شبه تامة من العقاب. حيث توجد هنا أيضاً العديد من الحالات الموثقة لعمليات القتل غير المشروع والاعتقال التعسفي والتعذيب. إذ على الرغم من صدور مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بحقه، إلا إنه لم يتم تسليم محمود الورفلي حتى الآن.

وفي وقت سابق من هذا العام، شهدت مدينة درنة الشرقية أسابيع من الاقتتال العنيف الذي أسفر عن وقوع إصابات في صفوف المدنيين، وإلحاق الضرر بالمرافق المدنية بما في ذلك المستشفيات والمدارس كما أدى أيضاً إلى النزوح القسري. وبعد أن أصبحت معظم المدينة تحت سيطرة الجيش الوطني الليبي في حزيران/ يونيو 2018، تلقينا تقارير بشكل مطّرد تفيد بوقوع حالات نهب وتدمير ومصادرة للممتلكات الخاصة. وقد تم القبض على مدنيين من درنة، بينهم كوادر طبية ومسؤولين محليين وناشطين ولا يزال هؤلاء محتجزين.

كما لا يزال الوضع على الأرض يتسم بانتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي وانتشار أعمال العنف. والمرتكبون الرئيسيون لهذه الانتهاكات والتجاوزات هم المجموعات المسلحة من كافة أطراف النزاع، بما فيها تلك التابعة للدولة أو المؤيدة لحكومة الوفاق الوطني أو الجيش الوطني الليبي. ويتم استخدام المرتزقة الأجانب من قبل مختلف الأطراف، وعلى وجه الخصوص وليس الحصر في جنوب البلاد.

ولم تتمكن القوات المنتشرة في عموم البلاد من التحوط من الهجمات الإرهابية المتوالية التي طالت المجموعات المسلحة والمؤسسات المدنية على حد سواء. ومؤخراً، استهدف تنظيم داعش مقر الشركة الوطنية للنفط ما أدى إلى استشهاد اثنين من المدنيين وإصابة 45 شخصاً آخرين. ومنذ مطلع العام الجاري، قتل تنظيم داعش ما يزيد عن 57 شخصاً في 14 حادثة منفصلة. 

ومن بين الفئات الأخرى التي تعاني أوضاعاً خاصة تتسم بالضعف في ليبيا هي فئة المهاجرين الذين يمرون بمعاناة تتجاوز حد الوصف بما في ذلك القتل غير المشروع والاغتصاب والتعذيب والاستعباد والسخرة والابتزاز والاستغلال. وتُرتكب هذه التجاوزات على يد شبكات إجرامية فضلاً عن أطراف ومجموعات مسلحة محسوبة على الدولة. ويقبع هؤلاء في مراكز احتجاز، رسمية وغير رسمية، في مدن مختلفة.

وينتهك مرتكبو هذه الجرائم حقوق الإنسان بصورة متكررة دون أدنى تفكير. فمعاقبتهم على ما تقترفه أيديهم من تجاوزات لا تدور في خلدهم. 

ولذا يجب أن تتم ضعضعة هذه الثقة. ولعل فرض عقوبات على ستة من المتاجرين بالبشر يمثل باكورة الخطوات المستحسنة التي تصب في هذا الاتجاه ولكن يجب أن تتبعها خطوات أخرى. وهنا أدعو الدول الأعضاء إلى تصعيد جهودها بإطراد في هذا الاتجاه.

السيدات والسادة،

لقد دأبت البعثة أيضاً على العمل على معالجة الاقتصاد القائم على النهب وإرساء إصلاحات اقتصادية تشتد الحاجة إليها. وقد رحبت بالتدابير الجديدة التي اعتمدها مؤخراً مصرف ليبيا المركزي وحكومة الوفاق الوطني، وبالأخص ما يتعلق منها بسعر صرف العملة والإصلاحات التي طالت نظام الدعم الحكومى، حيث أسهم الأول في استشراء الفساد في عموم البلاد في الفترة السابقة.

ولا يمكن التصرف بشكل نهائي حيال التحديات التي أشرت إليها آنفاً سوى من خلال حكومة منتخبة فاعلة ومسؤولة.

إن البلاد بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى قيادة سياسية. والأمم المتحدة ليست هنا لتحل محل الحكومة وإنما لدعم السلطات الليبية في إرسائها الأسس لدولة ديمقراطية فاعلة ومزدهرة. غير أنه ليس أمامنا من الشركاء الأكفاء سوى القلة القليلة لدعمهم. فالبرلمانيون الذين انتخبوا في 2012 و2014 والذين يشكلون المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب لا يطمحون لشيء سوى للبقاء في مناصبهم إلى أبد الآبدين. بينما لا يرتقي أداء حكومة الوفاق الوطني المعينة إلى المستوى المطلوب ولا تزال تصارع لإثبات وجودها بينما يسعى الآخرون لسحقها ولكن دون طرح بديل مقنع.

ولطالما دعا الشعب الليبي مراراً وتكراراً إلى إجراء انتخابات جديدة لإبعاد هذه الأجسام التي أصابها الوهن. غير أن هذه المطالبات لم تجد آذاناً صاغية بل أنها قوبلت بأعذار تفتقر إلى الصدق.

وكنت قد ذكرت في إحاطتي لمجلس الأمن إن تنفيذ انتخابات على المستوى الوطني مرهون بتوافر عدد من الشروط التي تتطلب جهداً جسيماً لكنها ليست صعبة المنال. ولا أزال عند كلمتي. فالبعثة تعمل على ضمان توفر هذه الظروف الملائمة لاجراء انتخابات وطنية حرة ونزيهة بدعم من المجتمع الدولي.

السيدات والسادة،

بالنسبة لتنفيذ القرار 37/45، يواصل القائمون على حقوق الإنسان العاملون في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا رصد أوضاع حقوق الإنسان في ليبيا وتوثيقها وإعداد التقارير بشأنها. ونحن نتدخل في حالات فردية على الصعيدين الوطني والدولي ساعين إلى تفعيل المساءلة وتقديم الدعم للضحايا. وقد حرصنا على تكثيف الجهود لتنفيذ سياسة الأمم المتحدة القاضية ببذل العناية الواجبة في مجال حقوق الإنسان فيما يخص دعم الأمم المتحدة للقوات الأمنية ما أدى إلى انخراط مختلف القطاعات العاملة في منظومة الأمم المتحدة في العمل مع الحكومة لوضع آليات للرقابة الداخلية. وبدورنا نحث الدول الأعضاء على اتباع نهج مماثل وضمان مراعاة العناية الواجبة عند تنفيذ الدعم المقدم من جانبها واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالتخفيف من مخاطر ارتكاب قوات الأمن الليبية انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.

ونواصل العمل مع المنظمات الحقوقية الوطنية ونسعى إلى تعزيز قدراتها في مجال التصدي لظاهرة الإفلات من العقاب. وقد قمنا بتيسير تقديم الدعم المباشر لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان وإعادة تأهيلهم.

ولا نزال مستمرين في تقديم الدعم للعودة الآمنة والكريمة والطوعية وغير المشروطة لجميع النازحين داخل البلاد إلى ديارهم. فعلى سبيل المثال، نعكف على تيسير عودة نازحي بنغازي وغريان. أما بالنسبة لنازحي تاورغاء الذين يقدر عددهم بأربعين ألف نازح (40,000)، فإننا لن ندخر جهداً في مناصرة عودتهم وإعادة تأهيل مدينتهم وتعويضهم.

كما إننا نقوم بتوثيق الإصابات في صفوف المدنيين وإعداد التقارير الشهرية عنها، التي عادة ما تحدث جراء الاستخدام العشوائي للأسلحة التي تسبب أضراراً واسعة النطاق في مناطق مكتظة بالسكان، فضلاً عن انتهاكات القانون الإنساني الدولي.

وفيما يتعلق بأوضاع المحتجزين بشكل تعسفي، أود أن أشدد تحديداً على أوضاع النساء المحتجزات في مرافق احتجاز تفتقر إلى العناصر النسائية من الحراس ما يجعلهن عرضة لأعمال العنف الجنسي والاستغلال. ومما يثير القلق بشكل خاص استمرار العنف الجنسي ضد المهاجرات بما في ذلك في مراكز تخضع للسيطرة الإسمية لمؤسسات الدولة، وهذا خير مثال على أزمة الإفلات من العقاب في البلاد. 

السيدات والسادة،

ختاماً، وباسم بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، أود أن أتوجه بالشكر إلى مجلس حقوق الإنسان على اهتمامه بليبيا وبمسألة التصدي لظاهرة الإفلات من العقاب بالغة الأهمية. وتبقى البعثة، ولا سيما عبر مكتب حقوق الإنسان التابع لها، على أهبة الاستعداد للتعاون التام مع مجلس حقوق الإنسان وآلياته في السعي إلى إنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب. ونحن مستعدون لتقديم الدعم للزيارات التفقدية التي تجريها الجهات المناط بها تنفيذ إجراءات خاصة في ليبيا كما ندعم تعيين مقرر خاص.

طريق المستقبل يستلزم توحيد الدعم من أجل الدفع بالعملية السياسية إلى الأمام كما أن النهوض بأوضاع حقوق الإنسان وسيادة القانون سيشكل ركناً حيوياً في ضمان نجاحها.

شكراً لكم.