تحديات الحدود في ليبيا والجهود الدولية الرامية إلى المساعدة في تأمين الحدود

previous next
16 سبتمبر 2013

تحديات الحدود في ليبيا والجهود الدولية الرامية إلى المساعدة في تأمين الحدود

غدامس- من بعيد يبرز عمود أبيض واضح، ارتفاعه حوالي 2 ½ متر، ونحن على متن السيارة التي أقلتنا من مدينة غدامس إلى عمق الصحراء القاسية، من بين عدد لا يحصى من أبراج الكهرباء العملاقة المتناثرة في المشهد. وعلى قاعدة الأسمنت في ذلك العمود ثلاثة أحرف محفورة: "ل، ت، ج".

ترمز تلك الحروف إلى مكان التقاء الحدود البرية الليبية مع تونس والجزائر. هذه العلامة تبدو كقطرة في حدود صحراوية شاسعة، تقدر بآلاف الكيلومترات الطويلة، تتشارك فيها ليبيا مع جيرانها الأفارقة. وهي حدود، على الرغم من غموضها وبعدها، لها تأثير ملموس في أنحاء البحر الأبيض المتوسط حتى أوروبا.

وعند توقف الزوار، فريق من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وبعثة الاتحاد الأوروبي لإدارة الحدود في ليبيا يرافقهم عدد من ضباط الشرطة والجيش الليبي، عند ذلك الموقع هرعت سيارة هامر وشاحنتين تابعتين للجيش التونسي فورا إلى الموقع حالما شاهدوا الحركة وبعدها بقليل وصلت شاحنة محملة بالجنود.

واقترب ضابط تونسي من الجانب الليبي على العمود مخاطباً إياه بود وبلغة تخلط بين لهجته العربية الدارجة والانجليزية والفرنسية. وبينما اختلط الجنود من الجانبين، أوضح أن تعاونا جيدا مع الجانب الليبي ومناخا سلميا يسود المنطقة الحدودية المشتركة.

إلا أن هذه " المواجهة " الودية، على بعد نحو 20 كيلومترا من غدامس، لا تعكس حقيقة الظروف التي تسود حدود ليبيا مع جيرانها، حيث ينتشر تهريب البضائع والأسلحة والمقاتلين والهجرة غير الشرعية في مناخ امني متدهور منذ ثورة 2011 بالإضافة إلى الفوضى ما بعد الصراع والنزاع في مالي.

وكانت بعثة مشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي قد زارت غدامس في تموز/يوليو 2013 لبحث الوضع على الحدود وبحث السبل الكفيلة بتقديم الدعم إلى الليبيين. واستمع الجانبان إلى قلق المسؤولين المحليين ازاء شح ّالموارد الضرورية التي تساعد على تأمين حدود البلاد.

رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي،االسيد أنتي هارتيكنان، يمتلك خبرة طويلة في مجال حرس الحدود والجمارك في بلده الأصلي، فنلندا ، بالإضافة إلى باع طويل في القضايا المتعلقة بالحدود.

قال: "إن هدفنا هو التعرف على الظروف المحلية والمجتمع في المنطقة الحدودية والوضع الأمني لنتمكن من تقديم المساعدة و معرفة نوعية الدعم الذي يمكن أن نقدمه ونستمع الى احتياجاتكم". جاء ذلك خلال اجتماع مع المسؤولين المدنيين والعسكريين في غدامس قبل البدء في زيارة ميدانية إلى المثلث الحدودي ونقطة عبور قريبة على الحدود مع الجزائر.

وبينما شرح السيد هارتيكنان مهمة بعثة الاتحاد الأوروبي ، أوضح أن البعثة يمكن أن تقدم الأفكار والخيارات والوسائل، ولكن المسؤولية تقع على عاتق الليبيين أنفسهم. وكبداية، عرض توفير التدريب على أمن الحدود للضباط في طرابلس.

كما اردف قائلاً : "إن مهمتنا هي توفير التوجيه والارشاد، لا تتوقعوا منا حماية الحدود. إنما نحن هنا لنساعدكم".

من ناحيته قال جورج - بول ألبو، ممثل قطاع المساعدة الأمنية والتنسيق ببعثة الأمم المتحدة، خلال الاجتماع بأن الزيارة تبني على زيارات سابقة للبعثة، مضيفا "إن هدفنا هو أن نفهم بصورة أفضل التحديات الأمنية في المنطقة الحدودية لغدامس في سياق أوسع لأمن الحدود وتحديد جوانب المساعدة الممكنة".

وأوضح السيد هارتيكنان للجانب الليبي التعاون الوثيق بين الاتحاد الأوروبي و الأمم المتحدة في مجال أمن الحدود وأن بعثته تضطلع بمهمة التنسيق مع الأطراف الدولية.

ولا يزال أمن الحدود أولوية واضحة بالنسبة للبلاد وجيرانها والمجتمع الدولي ككل. وقد اثار السيد الأمين العام للأمم المتحدة, بان كي مون, في تقريره إلى مجلس الأمن حول ليبيا في شباط/فبراير 2013 ، إن تأثير التدخل العسكري في شمال مالي على استقرار جنوب ليبيا وغيرها قد أبرز المخاوف حول احتمال تدفق المتمردين والمجموعات الأخرى الفارة من مالي إلى ليبيا مما يمكن ان يقوّض الوضع الأمني والسياسي الهش. كما تفاقم هذا الوضع بسبب سخط السكان في جنوب ليبيا ازاء ما يرونه تقصير اذ السلطات المركزية في اتخاذ الإجراءات الكافية لتلبي المطالب المتعلقة بسوء الخدمات والوضع الأمني المتدهور والجرائم العابرة للحدود والهجرة غير الشرعية.

وفي كانون أول/ديسمبر ترأس السيد علي زيدان، رئيس الوزراء الليبي، وفدا رفيع المستوى إلى الجزائر وتشاد والنيجر والسودان لمناقشة أمن الحدود والعلاقات الثنائية. أثمرت الزيارة اتفاقاً بين الدول الأربعة لتشكيل لجنة أمنية مشتركة تنظر في وضع آليات لمواجهة القضايا المتعلقة بأمن الحدود. في 12 كانون ثاني/ديسمبر، التقى رئيس الوزراء مع نظيريه الجزائري والتونسي في غدامس حيث اتفقوا على وضع تدابير مشتركة لمحاربة الجريمة المنظمة والتهريب عبر الحدود.

كما أشار تقرير الأمين العام الى ان إدارة الحدود مليئة بالثغرات، تفتقر إلى آليات كافية لمراقبة الحدود، مما يشكل مصدر قلق كبير لليبيا والدول المجاورة لها. وقال الأمين العام إن بعثة الأمم المتحدة تواصل العمل بشكل وثيق مع الاتحاد الأوروبي، وتشدد على الحاجة إلى الحصول على دعم دولي في الوقت المناسب في مجالات أمن الحدود وإدارتها بصورة متّسقة ومتكاملة.

وفي احاطته الأخيرة لمجلس الأمن في حزيران/يونيو، قال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، السيد طارق متري، إنه وعلى الرغم من التصريحات الرسمية من قبل السلطات الليبية، إلا أن محدودية القدرات لم تسفر سوى عن تقدم بسيط على أرض الواقع حتى الآن.

وقال السيد متري إن جهود الحكومة لمعالجة أمن الحدود تتطلب صياغة استراتيجية وطنية شاملة تعالج قضايا دمج الثوار، وتحسين التنسيق بين المؤسسات، والتدريب، وتفعيل العمليات والبنية التحتية في منطقة الحدود الجنوبية. كما ستحتاج ليبيا إلى مزيد من الحوار مع جيرانها والشركاء الدوليين.

في غدامس، تم حث المسؤولين المحليين على التعبير عن مخاوفهم لبعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي المشتركة التي سترفع بدورها تلك المخاوف إلى المسؤولين في الحكومة المركزية في طرابلس.

الحبيب البخاري هيبة، القائم بأعمال رئيس مجلس غدامس المحلي، كان صريحا في حديثه مع الزوار وقال: "الجميع يعلم أن أمن ليبيا هو جزء من أمن أوروبا، ونأمل أن تتفهموا مبعث قلقنا وان تقوموا بمساعدتنا على حل مشاكلنا".

بينما أوضح قاسم المانح، عضو المجلس المحلي ورئيس مستشفى غدامس، أهمية غدامس الاستراتيجية، التي تبعد حوالي 600 كيلومتر عن ساحل البحر الأبيض المتوسط في ليبيا وأهميته للقارة الأوروبية في الجهة المقابلة. وقال: "ربما تعلمون أن غدامس تعد مقصدا للمهاجرين من البلدان الأفريقية عن طريق الجزائر إلى ليبيا وتعلمون أن معظمهم ينوي الذهاب إلى أوروبا". واضاف: "إن الجهود التي بذلناها حتى الآن لم تكن فعالة في وقف هذه الظاهرة. نحن لا نخشى الهجرة الغير الشرعية فقط ولكن أيضا تهريب الأسلحة والأطراف الأخرى".

كما أبدى عدد آخر من المسؤولين العسكريين والمدنيين المحليين عن قلقهم إزاء الافتقار إلى المعدات والتدريب، والسكن (لأفراد قوات الأمن من المناطق النائية) وغيرها من الهياكل الأساسية، فضلا عن عدم وجود مرافق للتعامل مع وإعادة المهاجرين غير الشرعيين. وأشار أحدهم إلى أن بعض المهاجرين تم اعادتهم ليظهروا مرة أخرى على الحدود بعد بضعة أشهر، ويتم اعتقالهم مرة أخرى واعادتهم إلى أوطانهم. البعض منهم تم القاء القبض عليه ثلاث مرات. وقال آخر إن حرس الحدود يفتقر إلى الخبرات الأساسية مثل معرفة لغة ثانية بجانب اللغة العربية، للتعامل مع المهاجرين الناطقين بغير اللغة العربية.

وتقع غدامس في مثلث تلتقي فيه الحدود الليبية الجزائرية التونسية. وتجذب موارد المياه في المدينة المسافرين حيث تعد المدينة محطة للقوافل التجارية التي تعبر الصحراء منذ عصور وأيضا للمتاجرين بالأشخاص والمخدرات والبضائع. وتعد المدينة القديمة المحاطة بالأسوار التي تضم نافورة و شبكة من الشوارع الضيقة، أحد مواقع التراث العالمي حسب تصنيف اليونسكو. وخارج المدينة، تمنح درجات الحرارة المرتفعة المدينة مظهرا شبه خالي في يوم من أيام الصيف حيث لا يخرج السكان إلا بعد غروب الشمس. وفي ذلك اليوم خرج عدد قليل من الصغار متحدين الجو الحار للسباحة في بركة صغيرة.

وتواجه السلطات الليبية معركة شاقة ضد المهربين المحترفين الذين لا تردعهم أي حدود رسمية وهم خبراء في مسارات التهريب التي تعود إلى ما قبل الحدود الوطنية.

وكانت السلطات الليبية المحلية قد طلبت المساعدة الأوروبية مع الجزائريين والتونسيين، وهي قضية قال السيد هارتيكنان إن الاتحاد الأوروبي يعمل عليها. وأضاف أن التعاون في مجال إدارة الحدود بين مناطق الحدود الليبية والتونسية قد بدأ بالفعل، وتم الاتفاق على عقد اجتماع في أيلول/سبتمبر. وقال "هناك تعاون ولكن ليس منتظما، نريده أن يكون اكثر انتظاماً ".

وقبل توجه البعثة إلى الصحراء في تموز/يوليه، تواصلت بعثة الأمم المتحدة مع الليبيين في شأن أمن الحدود كجزء من ولايتها.

وأوصت ورشة عمل سبق ان استضافتها وزارة الشؤون الخارجية الليبية ووزارة الدفاع في 22-23 نيسان/أبريل إنشاء مركز لعمليات أمن متكاملة على الحدود تضم ممثلين عن حرس الحدود، والشرطة، والجمارك وخفر السواحل وغيرهم، جنبا إلى جنب مع ضمان تحسين التعاون والتنسيق وتبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية الليبية المشاركة في تأمين الحدود.

وأوصت ورشة العمل أيضا بدمج كتائب الثوار والجماعات المحلية الأخرى في منظومة الأمن وإدارة الحدود في ليبيا، فضلا عن إعادة تأهيل وحدات الحدود من خلال بناء القدرات وتحسين البنية التحتية والتدريب؛ زيادة فعالية القوات من خلال تعزيز تسيير دوريات برية؛ وتعزيز القدرات الاستطلاعية الجوية والقدرة التشغيلية في المجال البحري.

وأخيراً، أوصت ورشة العمل بتفعيل اتفاقات التعاون الثنائية مع الدول المجاورة وتنفيذها. وشددت أيضا على المسائل المتعلقة بالجنوب، والدعوة لفتح مراكز جديدة للتدريب في المنطقة؛ وزيادة الوعي بالإخطار المحتملة مثل الجريمة المنظمة؛ وتحسين ظروف المعيشة، وإنشاء آليه للمصالحة الوطنية، بما في ذلك فيما بين القبائل والمشردين داخليا.

وحاليا، يشير الليبيون إلى إن حراسة الحدود تقوم بها إلى حد كبير كتائب الثوار.

وقال العميد عمر حميدة، مدير المعبر الحدودي في غدامس، للبعثة الدولية "نحن في حاجة ماسة إلى خبرتكم".