إحاطة الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا برناردينو ليون لاجتماع مجلس الأمن 26 أغسطس 2015

27 أغسطس 2015

إحاطة الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا برناردينو ليون لاجتماع مجلس الأمن 26 أغسطس 2015

إحاطة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا
برناردينو ليون لاجتماع مجلس الأمن 26 أغسطس 2015

السيد ليون (تكلم بالإنكليزية): معروض على أعضاء مجلس الأمن آخر تقرير للأمين العام عن أنشطة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (S / 2015/624)، الذي يتضمن تفاصيل عن عمل البعثة خلال الخمسة أشهر الماضية. ويقدم التقرير صورة متباينة عن تطور الديناميات الأمنية في ليبيا. فبعد مرور عام على اندلاع أخطر أعمال القتال المسلح وتعطيل العملية السياسية، تتولى المجتمعات المحلية في غرب ليبيا بشكل متزايد زمام مبادرات وقف إطلاق النار والمصالحة بين مختلف البلدات والمدن، مما أسهم في انخفاض ملحوظ في التوترات العسكرية في ذلك الجزء من البلد ومنطقة طرابلس على نطاق أوسع. ويمثل ذلك تناقضا صارخا مع ديناميات الأمن في مناطق أخرى من البلد.

وبعد مرور خمسة عشر شهرا على بدء العمليات العسكرية في بنغازي في الشرق، من الواضح أن المواجهات بين الأطراف، قد تحولت تدريجيا الى حرب خنادق، مع عدم توقع نهاية وشيكة. وفي غضون ذلك، يلحق الوضع الراهن خسائر فادحة بالسكان المدنيين وما تبقى من البنية التحتية للمدينة التي تضررت بشدة. ولا يزال أكثر من 100،000 شخص من سكان بنغازي مشردين داخليا، وأضحت 70 في المائة من المرافق الصحية في المدينة إما لا يمكن الوصول إليها أو لا تعمل.

إن الحالة في الجنوب مروعة بنفس الدرجة. حيث فاقم غياب الدولة وعدم وجود جهاز أمن يؤدي وظائفه بشكل سليم، المنافسة المحلية بين الجماعات القبلية على السلطة والموارد، وهو صراع تعود جذوره إلى عقود طويلة من التهميش والإهمال من قبل السلطات المركزية.

وعلى المستوى الوطني، فإن حجم المعاناة الإنسانية مذهل بالنسبة لبلد لديه احتياطيات نفطية كبيرة وإمكانات اقتصادية قوية. ووفقا لمختلف وكالات الأمم المتحدة، فإن ما يناهز 1.9 مليون شخص بحاجة إلى مساعدة إنسانية عاجلة لتلبية احتياجاتهم من الرعاية الصحية الأساسية. ويشكل الحصول على الغذاء الآن مشكلة كبيرة لنحو 1.2 مليون شخص، معظمهم في بنغازي والشرق. ويصل عدد المشردين داخليا في جميع أنحاء ليبيا الآن إلى حوالي 435،000 شخص. ونظام الرعاية الصحية على وشك الانهيار، مع اكتظاظ العديد من المستشفيات في جميع أنحاء البلد، وعملها بطاقة تشغيل منخفضة بشدة، وإبلاغ العديد منها عن نقص حاد في الأدوية واللقاحات والمعدات الطبية. وتعاني مناطق كثيرة في البلد من الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي. وتعاني بعض الأحياء، كما هو الحال في بنغازي، من انقطاع الكهرباء على مدار الساعة تقريبا.

وهناك تقديرات بوجود 250000 مهاجر في البلد أو يمرون عبره، يواجه كثير منهم مشاكل كبيرة فيما يخص الحماية، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والاحتجاز في ظروف تتسم بسوء المعاملة، والاعتداء الجنسي، والعمل القسري والاستغلال والابتزاز. وخلال هذا العام وحده، غرق أكثر من 2000 مهاجر في البحر الأبيض المتوسط، الغالبية العظمى منهم خلال محاولاتهم اليائسة لعبور البحر من ليبيا الى شواطئ جنوب أوروبا.

وفي الوقت نفسه، يواصل اقتصاد البلد انكماشه بسرعة، جراء الانخفاض الكبير في عائدات النفط بسبب انخفاض أسعار النفط وإنتاجه في حقول النفط في ليبيا. كما يجري أيضا استنزاف الاحتياطيات المالية لليبيا بشكل كبير، ويرجع ذلك في جزء كبير منه للنفقات التي لا يمكن تحملها على البنود غير المنتجة من الميزانية. وتجلت الأزمة السياسية المؤسسية في البلد أيضا في المنافسة المتزايدة على المؤسسات المالية الرئيسية وغيرها من المؤسسات السيادية.

وفي ظل هذه الخلفية القاتمة التي تتزايد فيها المصاعب والبؤس الناجم عن تدهور الحالة الأمنية وغياب القانون بصفة عامة، يستمر انتشار المخالفات والانتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني على نطاق واسع، مع الإفلات من العقاب في جميع أنحاء البلد. وتواصل الجماعات المسلحة المنتمية إلى جميع الأطراف اختطاف المدنيين بسبب آرائهم السياسية أو هويتهم، في كثير من الأحيان على أمل مبادلتهم مقابل فدية أو من أجل إطلاق سراح مقاتلين أو مدنيين آخرين تحتجزهم الجماعات المتنافسة. ولم ينج من ذلك، حتى عمال الإغاثة الإنسانية.

دعوني أستخدم هذا المنبر، لأكرر دعوتي جميع أطراف الصراع إلى اتخاذ الخطوات اللازمة لحماية المدنيين من الهجمات المباشرة والعشوائية، وتسهيل إجلائهم، والسماح بالوصول الآمن ودون عوائق للمساعدات الإنسانية. وأود أيضا أن أذكّر جميع الأطراف بالتزاماتها المترتبة عليها بوضع حد لجميع أشكال الاحتجاز التعسفي، وحماية جميع المعتقلين من التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة. وبينما نرحب بالإفراج عن بعض الأشخاص المحتجزين بشكل غير قانوني، فإننا نواصل حث جميع الأطراف على بذل المزيد من الجهود لإتمام تلك العملية في أقرب وقت ممكن.

عندما قدمت إحاطتي الإعلامية الأخيرة للمجلس، في منتصف تموز/يوليه، (انظر S/PV.7485)، تكلمت عن حقيقة أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) قد أحكم السيطرة على مدينة سرت ذات الموقع الاستراتيجي في وسط ليبيا. وامتدت تلك السيطرة لتشمل شريطا ساحليا يمتد لمسافة أكثر من 200 كيلومتر إلى الشرق والغرب من سرت. وعلى الرغم من محاولة الجماعات المسلحة المحلية في 11 آب/أغسطس طرد داعش من سرت، فقد تمكّن مقاتلو التنظيم من استعادة السيطرة على المدينة بعد ثلاثة أيام. ويصعب تأكيد أعداد الخسائر البشرية، ولكن شهودا أبلغوا بأن التنظيم شنّت هجمات انتقامية وحشية على خصومها. ولا يمكن أن يكون هناك شك في أن الخطر الذي يشكله داعش على ليبيا والشعب الليبي حقيقي ووشيك وملموس. إن قوات الأمن والجهات الفاعلة العسكرية الليبية، فضلاً عن الأطراف السياسية على الجانبين، تدرك تماماً الخطر الذي يشكله المقاتلون المنتسبون إلى داعش. ومع ذلك، يجب أن نعترف بأنه لا يمكن لاستراتيجية ترمي إلى احتواء خطر داعش، إن لم يكن القضاء عليه، أن تكون قابلة للتطبيق ما لم تكن جزءاً من جهود متضافرة وموحدة ومنسقة تجمع جميع الليبيين معاً تحت راية واحدة ولاؤها للدولة الليبية ولحكومة شاملة وممثلة لجميع الليبيين. والرسالة إلى قادة ليبيا واضحة. لا بديل عن العمل الجماعي والموحّد إذا ما كان لليبيين أن ينجحوا في منع تكرار التقدم الكارثي الذي أحرزه داعش في بلدان مثل سورية والعراق.

بعد إحاطتي الإعلامية الأخيرة، التي أطلعت المجلس فيها على التقدم المحرز في عملية الحوار السياسي الليبي، استأنفت مسار الحوار الرئيسي بعقد جولة جديدة من المحادثات في جنيف في 11 و12 آب/أغسطس. وركزت المحادثات التي استمرت يومين في المقام الأول على سبل الإسراع بعملية الحوار قبل الموعد النهائي الحاسم في 21 تشرين الأول/أكتوبر، وهو التاريخ الذي قد تنتهي فيه ولاية مجلس النواب، وفقاً للإعلان الدستوري. وعلى الرغم من أن المؤتمر الوطني العام في طرابلس، بخلاف غيره من المشاركين في الحوار، لم يوقع بالأحرف الأولى على النص الرئيسي للاتفاق السياسي الليبي في 11 تموز/يوليه، فأنا على ثقة بأن هذه الشواغل يمكن معالجتها في المناقشات الجارية بشأن مرفقات الاتفاق، بما في ذلك تلك المتعلقة بتشكيل حكومة وفاق وطني.

وبعد سبعة أشهر من بدء بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عملية الحوار السياسي الليبي، تزداد ثقتي بأن العملية ستصل في نهاية المطاف إلى مراحلها النهائية. وقد كانت عملية صعبة وعسيرة، ولكنها أثبتت قدرتها المتزايدة على الصمود، بالرغم من المحاولات المتكررة من جانب المفسدين من جميع الأطراف والذين تتعارض مصالحهم وخططهم الضيقة مع إيجاد حل سلمي للنزاع في ليبيا. وحقيقة أن الغالبية من أصحاب المصلحة سعوا إلى المشاركة في المسارات المختلفة هي إشارة مطمئنة للدعم الذي اكتسبته عملية الحوار تدريجياً على مستوى القواعد الشعبية من مختلف فئات الليبيين. وقد أحرزت المحادثات تقدماً كبيراً في تقليص العجز في الثقة القائم بين ليبيا والأطراف السياسية صاحبة المصلحة وفي صياغة الاتفاق على وضع خريطة طريق تحدد الرؤية من أجل تحقيق نهاية سريعة للأزمة السياسية والصراع العسكري اللذين يعصفان بليبيا منذ أكثر من عام. ولن يكون التغلب على الاستقطاب والانقسام السياسي في البلد بالمهمة اليسيرة. وينبغي ألا نقلل من حجم التحديات أو الموارد التي ستكون هناك حاجة إليها لانتشال ليبيا من حافة هاوية الانهيار الاقتصادي والانهيار الكامل لمؤسسات الدولة. وأهم شيء هو التصميم والالتزام من قبل الليبيين أنفسهم، وبالتحديد من قادتهم السياسيين، إذا ما كان لليبيا أن تحافظ على وحدتها الوطنية وسلامتها الإقليمية وتجنّب شعبها ويلات نزاع أهلي وعدم استقرار يدومان طويلاً.

وأود أن أحث القيادات في كل من مجلس النواب والمؤتمر الوطني العام على عدم إهدار الفرصة الفريدة والتاريخية المعروضة عليهم لكي يكونوا صانعي سلام. وأناشدهم عدم تضييع العمل الشاق الذي بذلوه على مدى سبعة أشهر من أجل الوصول إلى النقطة التي وصلنا إليها اليوم. ربما لا يكون الاتفاق الذي تفاوضوا عليه مثالياً، إلا أنه اتفاق منصف ومعقول حيث الرابح الوحيد فيه هو الشعب الليبي. وأود أيضاً أن أؤكد مجدداً على أن الأمم المتحدة، إلى جانب المجتمع الدولي، ستظل ثابتة في التزامها ودعمها للعملية الديمقراطية في ليبيا. ولا ينبغي غض الطرف عن أي محاولة لتقويض العملية السياسية بوسائل غير ديمقراطية. فعملية الحوار لا تزال الآلية الوحيدة التي تتسم بالمصداقية والشرعية والتي تمكّن الليبيين من الحفاظ على استمرارية العملية الديمقراطية في بلدهم. إن الوقت ينفد بسرعة. ويقع العبء على عاتق قادة جميع الأطراف وعلى جميع المستويات لقطع آخر شوط نحو السلام.

وفيما تدخل عملية الحوار في ليبيا مرحلتها النهائية، أود أن أشكر أعضاء المجلس على دعمهم لجهود الوساطة وأكرر الإعراب عن خالص الامتنان والتقدير العميقين للشعب الليبي وممثليهم، وكذلك إلى مختلف الدول الأعضاء والمنظمات الإقليمية التي تدعم عملية الحوار. وعلى وجه الخصوص، أود أن أشكر إسبانيا٬ وألمانيا٬ والإمارات العربية المتحدة٬ وإيطاليا٬ وتركيا٬ وتونس٬ والجزائر٬ وسويسرا٬ وقطر٬ ومصر والمغرب، فضلاً عن الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية. إن الجهد والعزم الجماعيين للمجتمع الدولي سيكونان حيويين لوضع استراتيجية واضحة من أجل تقديم المساعدة التقنية. ومن المهم أيضاً أن يتحرّك المجتمع الدولي بسرعة لتقديم استراتيجية واضحة المعالم دعماً للدولة الليبية والجهود التي تبذلها حكومة للوفاق الوطني من أجل احتواء الخطر الذي تشكله جماعات مثل داعش ليس على استقرار ليبيا فحسب بل أيضاً على الأمن الإقليمي والدولي والقضاء على ذلك الخطر.