كلمة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، السيد عبد الله باتيلي، في اجتماع لجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى المعنية بليبيا

previous next
5 فبراير 2024

كلمة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، السيد عبد الله باتيلي، في اجتماع لجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى المعنية بليبيا

فخامة السيد دينيس ساسو نغيسو، رئيس جمهورية الكونغو، رئيس لجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى المعنية بليبيا،

فخامة السيد غزالي عثماني، رئيس جزر القمر، الرئيس الدوري للاتحاد الأفريقي،

فخامة السيد محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي الليبي،

معالي السيد محمد النذير العرباوي، رئيس وزراء الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية،

السيدات والسادة ممثلي رؤساء دول وحكومات الدول الأعضاء في اللجنة رفيعة المستوى،

معالي السيد موسى فقي محمد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي،

معالي السيد عبد الحسين الهنداوي، نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية،

أصحاب السعادة، السيدات والسادة،

المشاركون الأجلاء، كل باسمه وصفته،

أود بداية أن أتقدم لكم بخالص الشكر لفخامة الرئيس ساسو نغيسو، رئيس لجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى المعنية بليبيا، على الدعوة الكريمة التي وجهها لي للمشاركة في هذا الاجتماع المهم للجنة رفيعة المستوى، بصفتي الممثل الخاص للأمين العام، ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.

كما أود أن أجدد التعبير عن امتناني للاتحاد الأفريقي على تشكيل هذه اللجنة، التي تبذل جهودا كبيرة من أجل إنجاز عملية المصالحة الوطنية في ليبيا. إن قرار إنشاء اللجنة رفيعة المستوى جدير بالثناء ويحظى بالمشروعية، كونه يتعلق بالوفاء بواجب التضامن تجاه دولة عضو، هي ليبيا التي لعبت دورًا رائدًا في إنشاء هذه المنظمة القارية وعملها.

علاوة على ذلك، فإن الأزمة الليبية التي استمرت لأكثر من عقد من الزمان تتجلى في المعاناة الهائلة التي لحقت بالشعب الليبي، ولكن أيضًا من خلال العواقب السلبية التي تؤثر على جيرانهم في دول شمال إفريقيا، كالجزائر ومصر وتونس، وفي دول منطقة الساحل، كمالي والنيجر والسودان وتشاد. وبالتالي فإن الأزمة الليبية، وإن كانت أزمة وطنية، فإنها في الواقع كذلك واحدة من الأزمات الكبرى التي تواجه أفريقيا والعالم.

ولكن، وفضلاً عن امتدادها السياسي والجيوسياسي الأفريقي، تجد الأزمة الليبية جذورها أيضا في العوامل التاريخية للمجتمع الليبي. ويشكل تعدد روافد الهوية المتنوعة لهذا البلد الأفريقي انعكاسا أكثر وضوحا لتأثير الجغرافيا السياسية لحوض البحر الأبيض المتوسط ​​ولمنطقة الشرق الأوسط والتي تعد ليبيا واحدة من نتائجها التاريخية الضاربة في القِدم. ليبيا هي بلا شك دولة أفريقية ولكنها أيضًا دولة من دول البحر الأبيض المتوسط ​​ومن منطقة الشرق الأوسط بسبب تاريخها وثقافتها. والمجتمع الليبي والأزمة التي تعصف به يحمل بصمة كل هذه الديناميكيات.

ويُظهرُ الارتباطُ بين هذه العوامل المختلفة التعقيدَ الكامل لهذه الأزمة، والتحديات الهائلة التي تفرضها على مشروع المصالحة الوطنية باعتبارها حلا لسلام واستقرار دائمين في هذا البلد الكبير الذي تتجاوز مساحته مليون كيلومتر مربع، أي أكثر من ثلاثة أضعاف ونصف مساحة جمهورية الكونغو.

إن الشعب الليبي متحد، وقد تجلى ذلك من خلال تعبئة المواطنين في جميع أنحاء البلاد لصالح سكان مدينة درنة والمناطق المحيطة بها، بعد إعصار دانيال في سبتمبر الماضي، والذي تسبب في مقتل أكثر من ستة آلاف شخص وخلف أضراراً مادية جسيمة. لقد أبدت جميع المكونات الاجتماعية وجميع القبائل، عرباً وأمازيغ وتبو وطوارق، في هذه المناسبة المأساوية، تضامنها وارتباطها الجماعي بوطنها الأم. ولكن في الوقت نفسه، استمرت علامات الانقسام بين القيادات السياسية، ولا تزال إلى اليوم تلقي بظلالها على مشروع إعادة الإعمار، بل إنها أصبحت تشكل عائقاً إضافياً أمام الوحدة السياسية والمصالحة الوطنية. وتشهد هذه الحقائق كذلك على مدى التعقيد الذي يشوب العملية.

وعلى الرغم من كل هذه التحديات، فإن الاتحاد الأفريقي، بالاستناد إلى الدروس المستفادة من تجارب عدد من دوله الأعضاء التي شهدت أزمات مماثلة، يمكنه بالتأكيد أن يقدم مساهمة كبيرة في تحقيق هدف اللجنة رفيعة المستوى المعنية بليبيا.

ومن المؤكد أيضًا أنه بدون المشاركة النشطة والإيجابية للجيران الجغرافيين والتاريخيين في المنطقة وخارجها، سيكون هذا العمل في مواجهة العديد من العقبات الإضافية.

إن المصالحة الوطنية مهمة طويلة الأمد تتطلب الصبر والتصميم، والاستناد إلى منهجية عمل أثبتت نجاحها، والاستفادة على أفضل وجه من ديناميكيات العملية السياسية الحالية. وفي الواقع، يجب أن تسير العملية السياسية وعملية المصالحة الوطنية جنبا إلى جنب. ومن ثم، فإن إعادة توحيد المؤسسات السياسية، ولا سيما توحيد الحكومة وتجديد المؤسسات التشريعية، من شأنه أن يسهم في خلق بيئة مواتية ويسهل الاتصال بين الأطراف الفاعلة من جميع المناطق، ويضع حدا للقيود المتعددة المفروضة على حركة المواطنين من نقطة إلى أخرى فوق التراب الليبي. وبالمثل، فإن إطلاق سراح المعتقلين من شأنه أن يشجع المشاركة الفعالة للعائلات السياسية التي كانت حتى الآن مترددة في المشاركة في العملية.

إن التزام الجهات الأمنية المتعددة ووحدة القوات المسلحة بهدف إنشاء مؤسسة عسكرية وطنية واحدة، بمبادرة من اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، سوف يسيران في نفس الاتجاه. كما أن الجهود الرامية إلى تعزيز وحدة البنك المركزي، وإنشاء اللجنة المالية العليا التي أطلقها الرئيس المنفي - والذي أحيي هنا جهوده المتواصلة - من شأنها أن توفر للبلاد آلية واحدة للموازنة.

إن حسن النية والإرادة السياسية للقادة الرئيسيين مثل الرئيس المنفي لوضع حد للخلافات الداخلية من شأنه أن يفتح الطريق أمام مرحلة من الانتقال السياسي التوافقي والسلمي لقيادة العملية الانتخابية التي يطالب بها نحو 2,800,000 من الليبيين الذين تسجلوا بحماس في القوائم الانتخابية. وسيؤدي توفير هذه الظروف، قبل كل شيئ، إلى تسريع عملية المصالحة الوطنية بين جميع الأطراف الفاعلة في المجتمع من جميع المشارب وفي جميع الاتجاهات.

سيدي الرئيس،

تؤكد بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا من جديد استعدادها، في حدود إمكانياتها وإجراءاتها المصرح بها، لدعم العمل المفيد الذي تقوم به اللجنة رفيعة المستوى من أجل الصالح العام للقارة.

وبالفعل، تقدم البعثة لفريق المجلس الرئاسي المخصص للمصالحة الوطنية الدعم الفني، كما تدعم الأنشطة في المجالات القانونية والسياسية والحقوقية لضحايا النزاعات المتعددة.

إن إنشاء فريق دائم من الخبراء من الاتحاد الأفريقي على الأرض في ليبيا، مزود بخبرة مقارنة في قضايا المصالحة الوطنية بهدف دعم فريق المجلس الرئاسي على أساس يومي، من شأنه أن يسهل العمل ويضمن استمراريته. كما سيضمن هذا الفريق من خلال دعمه الفني استدامة النتائج التي يتم الحصول عليها. والأقسام ذات الصلة في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مستعدة للتعاون مع هذا الفريق.

إن الخلافات في النهج التي ظهرت في الأسابيع الأخيرة بين فريق المصالحة الوطنية التابع للمجلس الرئاسي ومجلس النواب بشأن رعاية العملية تحمل مخاطر عرقلة الأنشطة في المستقبل.

السيد الرئيس، والأخ العزيز دينيس ساسو نغيسو،

أنت وأنا ننتمي إلى جيل من الأفارقة الذين كانوا شهودا على آمال وانتصارات، ولكن كذلك على خيبات الأمل والمآسي التي عصفت بأفريقيا على مدى السنوات الستين الماضية. إن حالات الانتشاء التي تخلقها المؤتمرات الوطنية وغيرها من الخطابات المبشرة بالمصالحة، كثيرا ما تعقبها، للأسف الشديد، حروب أهلية جديدة، تكون قاتلة في بعض البلدان، بسبب تصادم طموحات القيادات.

وآمل من كل قلبي أن يتم تجنيب عملية المصالحة في ليبيا المثال المعدي لهذا السناريو المتكرر والمؤلم الذي يعطي الانطباع بأنها مهمة عبثية.

وقبل الختام، أناشد جميع القادة الليبيين الالتزام بتصميم على تمكين الشعب الليبي من التحقيق الفعال لوعود السلام والاستقرار والمصالحة الدائمة من أجل الوحدة والتقدم.

وأدعو أخيرا جميع الشركاء الإقليميين والدوليين لهذا البلد العظيم إلى دعم جهود لجنة الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى من أجل رفاهية ورخاء ليبيا وشعوب منطقة الساحل والصحراء، وشمال أفريقيا وحوض البحر الأبيض المتوسط ​​والشرق الأوسط.

تحيا ليبيا موحدة ومتصالحة في أفريقيا تنعم بالسلام والتقدم!

شكرا على حسن انتباهكم.