كلمة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في مؤتمر حقوق الانسان في ليبيا، البيضا 30 مايو 2013

30 مايو 2013

كلمة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في مؤتمر حقوق الانسان في ليبيا، البيضا 30 مايو 2013

يسعدني ان انضّم اليكم في هذه الجلسة قُبيل انتهاء اعمال مؤتمركم حول حقوق الانسان في ليبيا. ومن نافل القول التأكيد ان بعثة الامم المتحدة للدعم في ليبيا ترى نفسها معنية بجهودكم وبكل جهد مماثل، ومهتمة بمواكبة المحاولات الآيلة الى تعميق الوعي بمسؤولية حماية حقوق الانسان وترسيخ القيم التي تستند اليها هذه الحقوق والمبادئ الناظمة لها.

ومن واجب البعثة، كما ينصّ قرار مجلس الامن رقم 2095 الذي مدّد ولايتها في شهر مارس من العام الحالي، ان تعمل على نحو يتفق مع الاولويات الوطنية الليبية والتي لم تغب عنها قضية حقوق الانسان منذ قيام الثورة. . ومن واجبها ايضاَ في هذا السياق دعم الجهود الليبية التي تتوخى تعزيز سيادة القانون ومتابعة اوضاع حقوق الانسان وحمايتها، بما فيها ما يتعلق بالمرأة والافراد المنتمين للفئات المستضعفة وبضمان معاملة المحتجزين معاملة انسانية وتمكينهم من الاجراءات القانونية والقضائية الواجبة.

كما يترتب عليها تقديم المساعدة للجهات الليبية المختصة على صعيد اصلاح نظام القضاء ونظام السجون واعادة بنائها بما يكفل الشفافية والخضوع للمسائلة ووضع استراتيجية شاملة للعدالة الانتقالية وتنفيذها والعمل على تحقيق المصالحة الوطنية.

في ضوء هذا التكليف وعلى اساس الواجبات التي تضطلع بها، ابدت البعثة، ومنذ ايامها الاولى، حرصها على اعطاء المشورة وتقديم العون من اجل توثيق افضل ومعرفة ادق للانتهاكات الواسعة لحقوق الانسان، من قتل وتعذيب واخفاء قسري، في عهد النظام الاستبدادي السابق. ولا يقل عن هذا الحرص الالتزام بالمساعدة في وضع خطة عمل تستفيد من تجارب اخرى في العالم وذلك على صعيدي القوانين والادوات والكيفيات، من اجل التعامل مع هذا الارث الثقيل، في بشاعته وآثاره المؤذية، وطلباً لإنصاف الضحايا. لكننا، جميعنا، ما زلنا في الخطوات الاولى فالكثير من العمل الجاد ينتظر اصدقاءنا الليبيين جميعاً ونحن معهم وهو على قدر كبير من الالحاح، أياّ كان من امر الصعوبات التي يرى البعض انها تعتريه.

وبالتلازم مع كل ذلك، لا بد من التشديد على مركزية حقوق الانسان في عملية بناء ليبيا الجديدة. وهو ما اشار اليه الاعلان الدستوري وظهر في ادبيات الثورة الليبية ومواقف قياداتها، على اختلاف ادوارها ومشاربها الفكرية واتجاهاتها السياسية.

ابعد من ذلك، يبدو لنا هذا التشديد محلّ اجماع وطني نابع من رغبة صادقة وقوية الاّ تتكرّر بأية صورة من الصور ممارسات الماضي وان تكون ليبيا الجديدة على الطرف النقيض مما انزله الطغيان بالشعب الليبي من ظلم واضطهاد خلال العقود الماضية. كما يتراءى لنا، من خلال حواراتنا مع جهات ليبية عديدة وشخصيات متنوعة، ان هذا الاجماع الوطني اقوى من ان تهدّده ممارسات مخلّة او انتهاكات موصوفة وجنوح في حالات قليلة الى اقتداء الضحايا بجلاّديهم. وتتطلب صيانة هذا الاجماع الوطني واستدامته، احجاماً عن توفير المسوّغات لسلوكيات تناقض قيم الثورة وتطلعاتها.

كما تشترط الا يكون الدفاع عن حقوق الانسان سلاحاً سياسياَ في يد فئة بوجه فئة اخرى، بل اداة لتمكين الجميع من الوفاء لأهداف ثورتهم من حيث وضع حد نهائي للتعسف والتمسكّ مقتضيات الوفاق الوطني القائمة على مدماك القيم المشتركة، واولها الحفاظ على كرامة الانسان وحريته وحقوقه غير القابلة للتصرف. ويقتضي السعي المستمر الى بناء الاجماع الوطني حول قيم حقوق الانسان والسبل الى اعلائها وترجمتها في القوانين والممارسات تجاوز الادانة الاخلاقية المحض للانتهاكات او تأثيم المسؤولين عنها، الى احقاق العدالة بديلاَ من الانتقام واحترام الضحايا وذويهم.

واحسب انكم بهذه الروح تدارستم مشكلات ليبيا المتصلة بقضايا حقوق الانسان بصراحة وجدية مسؤولة. ونجدنا الى جانبكم لا في تشخيص المشكلات وهي معروفة، فحسب بل في الاسراع بمعالجتها من دون تقاعس ولا انتظار. ولعّل بعض المعالجات شهدت تقدماً محدوداً، ومنها المتعلقة بالنازحين قسراً عن ديارهم والمهاجرين الى ليبيا او المهجّرين اللاجئين اليها وبالسجون وغيرها من اماكن الاحتجاز واطلاق العملية القضائية للبت في اوضاع الموقوفين على اختلاف مبررات توقيفهم. ولعل الدعوة لإحراز المزيد منه لا تحتمل التأخير فلا يكون ضعف امكانات الدولة، المؤسسية والبشرية، سبباً او ذريعة لإبقاء الاوضاع على حالها. ثم ان اقدار الدولة الناشئة هي مسؤولية الجميع وبخاصة القوى الحيّة في المجتمع، وليست شأن المسؤولين الحكوميين وحدهم. ونجدنا معكم ايضاَ في المطالبة بالإسراع دون التسرّع، في المضي بالعملية التشريعية لا سيما ما يختص منها بالعدالة الانتقالية التي تضع حداَ للإفلات من العقاب لمرتكبي جرائم الماضي بالوقت نفسه تعبّد الطريق امام مصالحة حقيقية تساعد ليبيا على شفاء جراحها واعادة بناء وحدتها الوطنية على اسس جديدة.

واذا كان صحيحاَ ان للعملية التشريعية قواعد معروفة لجهة حسم الخلافات بالتصويت فأن السعي الى التوافق مستحب في ضوء التحول الذي تمر فيه ليبيا اليوم. ولقد عرفت ليبيا سجالاَ وانقساماَ حول بعض القوانين، نذكر منها قانون العزل السياسي غير ان رأب الصدع الذي كان من مسببات اصدار القانون او من نتائجه لن يكون متعذراَ اذا ما تمّ تبديد بعض الالتباسات والتدقيق في المعايير والسهر على عدالة التطبيق وشفافيتها وضمان الحق في الاعتراض واستئناف القرارات امام القضاء دون تميّز او استنساب. من جهة اخرى، اقرّت قوانين من دون انقسامات تذكر، عنيت بها قانون تجريم التعذيب والاخفاء القسري. وهناك قوانين لا تبدو موضوع اخذ ورد كبيرين كالتي تتعلق بضحايا الاغتصاب.

اننا في بعثة الامم المتحدة نتطلع معكم الى السير قدماَ في اقرار القوانين التي ترتبط بالقضايا المثارة في هذا المؤتمر والشروع في تطبيقها. ونبدي استعدادنا الدائم لتقديم المشورة والمساعدة التقنية. كما نتطلع معكم الى السير الواثق في المسار الدستوري على نحو يؤسس لعقد اجتماعي جديد يقوم على اتفاق الليبيين على معنى عيشهم المشترك وانتماءهم الوطني وعلى كيفية اغتنائهم من تراثهم الديني والثقافي واستلهامه وعلى حقوقهم الانسانية الاساسية، افراداَ ومجموعات.

تبقى كلمة امتنان وتقدير للذين دعوا الى هذا المؤتمر والى كل الذين ساهموا في اخصاب مداولاته. وبعد الاعتراف بفضل الذين يعملون بلا كلل من اجل حقوق الانسان، والفضل يعرفه ذووه، اسمحوا لي ختاماً ان اتوجه بنظرة الاعجاب نحو المناضلين الذين وقفوا بشجاعة معارضين للحكم المستبد بلا تردد ولا مساومة. وما انفكوا اليوم يدافعون عن حقوق الانسان ويعلون شأنها ويحرصون على صونها باسم اخلاق الثورة وقيمها الدينية والانسانية.

والسلام عليكم