محادثات المصالحة في مرزق تؤكد على ضرورة تحقيق العدالة لأسر المفقودين
طرابلس - سعياً لتعزيز جهود المصالحة في مرزق عقب نزاع عام 2019 الذي أسفر عن مقتل العشرات ونزوح الآلاف، اتفق عدد من شيوخ قبيلتي التبو والأهالي، إلى جانب وسطاء محليين وممثلين عن الحكومة، في 16 أيلول/ سبتمبر، على وجوب تهيئة الظروف الأمنية قبل بدء عمليات الحفر واستخراج الجثامين للتمكن من توفير إجابات لأسر المفقودين.
وعُقد هذا الاجتماع في طرابلس برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بمشاركة 18 شخصاً. وأكد المجتمعون على أهمية المتابعة مع النائب العام بشأن أوامر الاعتقال التي لم تُنفذ حتى الآن والصادرة بحق 219 شخصاً في الجرائم التي ارتكبت في مرزق.
وقال محمد حمزة، أحد الوسطاء المشاركين في الاجتماع من مدينة سبها: "لا وجود للحياة بدون استقرار في مجتمعاتنا، فالحياة تصبح مرادفاً للخوف".
وشارك في الاجتماع ممثلين عن كل من المجلس الرئاسي ومكتب التنسيق الدولي في وزارة الخارجية ووزارة الدفاع والهيئة العامة للبحث والتعرف على المفقودين والمجلس الوطني للحقوق والحريات، وكان الهدف من الاجتماع إتاحة الفرصة للمعنيين لمناقشة النتائج الأولية وتوصيات التقرير الذي من المقرر إصداره من قبل بعثة الأمم المتحدة ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان.
وبغية دعم جهود المساءلة، يتناول هذا التقرير ويحلل حالات الاختفاء القسري وتجاوزات وانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة الأخرى التي ارتكبت خلال تقدم الجيش الوطني الليبي نحو طرابلس في عام 2019، والتي أدت إلى تفاقم أعمال العنف في المدينة حيث انقسمت المجتمعات المحلية وانحازت إلى فصائل مختلفة. ويتضمن التقرير أيضاً نظرة عامة حول التقدم المحرز في مبادرات المصالحة، بالإضافة إلى توصيات لتحقيق السلام المستدام والعدالة والمصالحة والعودة الآمنة للنازحين.
وقال محمد أمين، أحد الوسطاء من مدينة مرزق: "لقد تسبب هذا النزاع في انقسام هائل بين المجتمعات المحلية، كما زرع الكثير من الكراهية. فالنزاعات تنشب بسهولة، حتى من خلال فتيل بسيط، أما إعادة السلام فهو أمر صعب للغاية".
وركز النقاش أيضاً على آخر المستجدات في المدينة، لا سيما فيما يتعلق بالمساءلة والبحث عن الحقيقة، وذلك في إطار متابعة خارطة الطريق للمصالحة لعام 2022 التي وقعها الطرفان.
وقدمت الهيئة العامة للبحث عن المفقودين خلال الاجتماع شرحاً موجزاً لطريقة عملها في تحديد مواقع رفات المفقودين والتعرف عليها، مؤكدة استعدادها لبدء عمليات البحث في منطقة مرزق. وبينما قامت الهيئة بالفعل بجمع عينات من عائلات المفقودين، إلا أنها بحاجة إلى دعم أكبر لضمان توفير الأمن اللازم لبدء أعمالها الميدانية.
وقالت فاطمة الزهراء حباشي، وهي ناشطة نازحة من مدينة مرزق، إن إرساء حسن النية وبناء الثقة بين جميع الأطراف المعنية يعد خطوة أساسية لدعم عملية المصالحة ومنع تفاقم أعمال العنف، مشيرة إلى أهمية اتخاذ تدابير أمنية لحماية المجتمعات.
وأضافت: "إذا لم يتم إيلاء مزيد من الاهتمام للأمن في المدينة، فستظل عرضة لخطر التوترات ونشوب النزاع مجدداً".
وشارك الوسطاء والأعيان المحليون أيضاً معلومات حول عدد النازحين الذين عادوا إلى مدينة مرزق، حيث قُدرت أعدادهم بنحو 200 من إجمالي 4000 نازح. وناقشوا معهم لاحقاً الاحتياجات الأساسية التي من شأنها ضمان عودتهم الأمنة.
وأوضح المشاركون إلى أن غياب المساءلة عن الانتهاكات التي وقعت في عام 2019 حال دون عودة معظم الأسر النازحة إلى منازلها. وبينما أشاروا إلى إحراز تقدم في إعادة بناء المنازل والبنية التحتية التي دمرها النزاع، إلا أن هناك حاجة إلى بذل المزيد من الجهود لضمان الاستقرار والعودة الآمنة.
وشددت سوكي ناغرا، مديرة دائرة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية وسيادة القانون في بعثة الأمم المتحدة، على أن رأب الصدع في مدينة مرزق يتطلب أيضاً الكشف عن الحقيقة وتحقيق المساءلة. ويسعى التقرير الذي ستصدره بعثة الأمم المتحدة بالتعاون مع مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، والمتوقع إصداره في عام 2026، إلى المساهمة في تحقيق هذا الهدف من خلال استنتاجات استقيت من مقابلات مع أكثر من 50 شاهداً، بالإضافة إلى مشاورات مع عائلات الضحايا في المدينة.
وقالت السيدة سوكي: "لا يمكن لأي مجتمع أن يتقدم ما لم تتم الإجابة على جميع الأسئلة المتعلقة بمصير المفقودين"، مضيفة بأن: "هدفنا من تسليط الضوء على هذه الانتهاكات هو حماية حقوق الضحايا واستعادة كرامة أسرهم وتعزيز السلم والاستقرار في المجتمع".