​كلمة الممثل الخاص للأمين العام غسان سلامة في افتتاح المرحلة الأولى من خطة العمل الخاصة بليبيا بشأن تعديل الاتفاق السياسي الليبي

26 سبتمبر 2017

​كلمة الممثل الخاص للأمين العام غسان سلامة في افتتاح المرحلة الأولى من خطة العمل الخاصة بليبيا بشأن تعديل الاتفاق السياسي الليبي

ايها الأعزاء،

أحمل اليكم تحيات السيد الامين العام للأمم المتحدة وتمنياته لكم بالتوفيق والسداد. ويهمني ابلاغكم انه اختار ليبيا دون غيرها لتكون ساحة الوفاق الاولى في منهاجه لهذا العام وانه يعمل بجد للإسهام بإخراجها من الدوامة التي دخلت فيها معتمدا عليكم لإطلاق تلك العملية الانقاذية وعلينا لمساعدتكم ما وسعنا نحو هذا الهدف.

واحمل لكم ايضا موقفا صريحاً واسعاً، بل جماعياً، من دول العالم، المجاورة منها والبعيدة، العظمى منها كما الاصغر، يدعم قراركم البدء بعملية تعديل الاتفاق السياسي ويثمن حضوركم هذا الصباح ويعول عليكم للانتهاء من صياغة التعديلات المرجوة بالتفاهم فيما بينكم في أمد قريب، بلا تسرع طبعاً انما ايضا دون تلكؤ.

وما حضور ممثلي الرباعية التي تضم الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي وما حضور السادة أعضاء الجسم الدبلوماسي المعتمد لدى ليبيا هذا الاجتماع الافتتاحي إلا تعبير عن هذا الإجماع وأرحب بهم جميعاً.

واحمل لكم ايضا مشاعر اعداد واسعة من الليبيين تواصلوا معي ومع زملائي في بعثة الأمم المتحدة يرنون بالنظر اليكم كي تعبروا عن امالهم بفتح صفحة جديدة من التوافق والوئام. انهم يقولون لنا ولكم ان نافذة للخلاص قد فتحت امام بلادكم ينبغي علينا ان نلجها، وان فرصة لنقلة نوعية نحو مؤسسات قادرة وثابتة قد ظهرت في الافق وواجبكم وواجبنا معكم اقتناصها. لقد سئم الليبيون من الانتقال للانتقال دون افق واضح صريح ومطمئن، وعلينا جميعا ان نعمل معا كي يدخلوا مرحلة من اليقين والطمأنينة لا تتجسد الا في دولة ثابتة قادرة عادلة.

دعوني ايها الأعزاء ان اصارحكم الرأي قائلا أني ما عبرت في خطة العمل التي اقترحتها على الدول الكبرى وتلك المعنية بالشأن الليبي، ولاقت منها التأييد الواسع، الا عما سمعته من الليبيين انفسهم، وان كان لي من اسهام متواضع فهو في توليف افكار الليبيين وترتيبها في جدول زمني رأيته عقلانيا ومناسبا. انها افكار واقتراحات سمعتها في مختلف ارجاء بلادكم، منكم، ومن زملائكم، من قادة البلاد كما من الناس الطيبين، تطالب بمصالحة وطنية شاملة، وبدولة ناظمة قادرة، وبمؤسسات ثابتة فعالة تتجاوز مصالح الاشخاص في سبيل المصلحة الوطنية، وتتعالى عن خصوصيات الاماكن والوشائج والعصبيات في سبيل الوطن الواحد، وان هي تحرص على الدولة الفعالة فلعلمها العميق بأن لا استقلال بدون دولة تحميه ولا سيادة بدون دولة تذود عنها ولا وقف للتدخلات الخارجية الا بدولة تردعها. وفي المقابل فلا دولة بدون وحدة وطنية متينة ولا دولة بدون تمسك شامل بالصالح العام ولا دولة بدون مؤسسات ثابتة يتجسد فيها مفهومها.

لقد سمعت ولا بد انكم تسمعون مثلي تذمر عموم الليبيين من تدهور الاوضاع المعيشية ومن تلكؤ مؤسسات الدولة في توفير الخدمات المناسبة بدءا بالأمن مرورا بالصحة العامة او بالتعليم. لقد سمعت مثلكم تخوف الليبيين من تحول اراضيهم الى مساحات سائبة يدخلها من يشاء ويعبرها من يرغب ويتدخل في شؤونها من هو على ذلك قادر.

لقد سمعت كما أنتم سمعتم تخوف غير بلد مجاور او بعيد من محاذير عجز السلطة العامة عن معالجة هذه الامور وعن مخاطر استمرارها او حتى تفاقمها على امن تلك الدول ناهيك عن مصالحها.

لذلك بات الالحاح عاماً على منحى جديد، لا يمثل انتقالا آخر بل يشكل نقلة نوعية نحو دولة قادرة، ثابتة، عزيزة المقام. وما خطة العمل التي طرحناها الا معبراً نحو ذلك الهدف المأمول. 

لذلك نصت خطة العمل على سلسلة من المحطات المتتالية، سنعمل جاهدين كي لا يتأخر موعد انجاز أي منها تنتهي بخاتمتها الطبيعية في غضون عام من الآن.

واني اذ أرحب بكم اليوم فردا فردا واشكركم صادق الشكر على تلبيتكم دعوتنا، افكر ايضا بكل واحد من زملائكم الاعضاء في المجلسين طالبا منكم ان تتشاوروا الى اقصى الحدود مع من هم ليسوا اليوم معنا في هذه القاعة وان تشركوهم ما استطعتم في اعمالكم لكي تكون التعديلات التي ستجرونها معبرة عن اوسع شريحة ممكنة من اعضاء مجلسيكم. اننا نسعى للشفافية لا للخفاء، وللوضوح لا للتورية، وللتوافق الاوسع لا لرأي الاقلية. فصحيح ان التعديلات في مرحلة الصياغة الاولى تتطلب جهد عدد محدود من المتطوعين من بينكم، انما هي لا تكتمل فعلا الا بعد ان يلتقي حولها العدد الاكبر من اعضاء المجلسين، وقبل ان يصادق عليها لاحقا مجلس النواب بأكبر عدد ممكن من الاعضاء. 

ويشكل اجتماعكم اليوم فاتحة تلك الخطة اذ ان اتفاق الصخيرات، وهو مرجعنا وإطار عملنا، بات بحاجة الى تشذيب يجعله أفضل توائما مع التحولات التي عرفتها ليبيا منذ اقراره. ولا ريب ان شرعيته ستتعزز لو تمكنا من اقناع العدد الاكبر من الليبيين من تبنيه واعتماده وتأييده بحيث تتوسع رقعة الوئام من حوله وتتعزز وحدة اهلنا في ليبيا من خلاله. 

وما تعديل ذاك الاتفاق بنظرنا الا مدخلاً يبدو ان غالبية الليبيين تنطلق منه نحو اتمام النقلة النوعية التي تتضمن مراحل متتالية تتوج بانتخابات عامة حرة ونزيهة نكون جميعا قبلنا بنتائجها قبل تنظيمها. ومن تلك المراحل مؤتمر وطني يوسع رقعة السائرين في سكة الحل السياسي دون غيره من السبل المكلفة، وكما يتضمن اعتماد دستور للبلاد وضع مشروعه امامنا وهو بحاجة لاستفتاء. 

لذلك ونحن نجتمع اليوم في إطار سيرورة تعديل محدود اتفاق الصخيرات وفق قواعد التعديل التي نص عليها ذاك الاتفاق أحيي هنا اعضاء الوفدين الممثلين لمجلس النواب ولمجلس الدولة واتمنى ان يعملا معا في إطار لجنة صياغة موحدة ومصغرة كما جاء في ذاك الاتفاق. وسأكون مع زملائي في البعثة الى جانبكم قدر ما تريدون للتوصل الى نصوص ترضي ضمائركم وتكون صالحة للبلاد. وآمل الا يستغرق ذلك العمل التقني الطويل من الوقت كي تذهب تلك التعديلات لمجلس النواب آملين اعتمادها من قبله بأكبر نسبة ممكنة من النواب. 

اخوتي اعضاء مجلس النواب، لقد ناشدتكم من مقر الامم المتحدة في نيويورك واعيد اليوم مناشدتي بلغتنا الجميلة ان تتحملوا مسؤوليتكم في ايقاظ مؤسستكم المحورية وفي المشاركة بنشاط في اعمالها وفي تعزيز شرعيتها من خلال مواظبتكم على جلساتها لاسيما حين يحين موعد اقرار هذه التعديلات. يومها آمل ان نذهب معا لنتمتع برؤيتكم تعيدون الحياة الى تلك المؤسسة الكبرى، فتكون التعديلات على اتفاق الصخيرات الفصل الاول، وليس بالضرورة الاهم، لجملة من التشريعات التأسيسية التي ينتظرها شعبكم منكم ولا يمكنكم تحت اي عذر ان تتلكؤوا في اعتمادها، لاسيما تلك المتعلقة بإجراء العملية الانتخابية الرئاسية والنيابية. واقول بصدق اننا نتطلع الى يوم اقرار التعديلات في مجلس النواب كيوم فاصل نعد العدة له بما يتطلب الامر من انتقال العدد الاكبر من النواب الى مقره ونشكرهم مسبقا على ممارستهم لدورهم الطبيعي بالتصويت، ان كان تصويتهم بنعم او بلا، وفق ضمائرهم. 

وان لم يكن دوما من حسن الفطنة ان يقتبس المرء مما قاله سابقا فاسمح لنفسي تكرار الهدف الذي حددته لخطتي في هيئة الامم، الا وهو نقلة نوعية نحو دولة المؤسسات. وقد تكون الجملة الاكثر اهمية في تلك الكلمة والتي لم يتنبه لها البعض هي التالية: "في ليبيا مؤسسات نائمة ينبغي ايقاظها ومؤسسات منقسمة يقتضي توحيدها ومؤسسات مختطفة آن اوان تحريرها". 

وتبني تلك التعديلات فلن يكون طبعا الا بالحوار. واسمحوا لي في نهاية هذه الكلمة ان اتوقف لحظة امام معنى تلك الكلمة (الحوار). يعتقد الكثيرون ان الحوار هو نقيض الصراع، والبديل عنه، وفي يقيني ان في تلك النظرة بعض خلل. لقد اعتقدت دوما على العكس ان الحوار شكل من اشكال الصراع لا بل قد يكون من اشد انواعه قسوة. فالصراع مغالبة مع الآخر اما الحوار فهو في جوهره نزاع داخلي مع الذات. فان انت دخلت حوارا بنية صادقة فعلا، عليك اولا ان تقنع نفسك بأن رأي الآخر موجود ولا يمكنك ان تتغاضى عن وجوده الا ان تحرمه من التعبير عنه. وعليك ثانيا ان تقبل بمشروعية اختلاف الآخر عنك في رأيه فتعدد الافكار والرؤى هو الحال الطبيعية في سنة البشر واحترام شرعية تعددها اساس الديمقراطية. وعليك ثالثا، وهذا أصعب الصعوبات، ان ترضى بإمكانية تبديل موقفك السابق من خلال التفاعل مع الآخر والانصات الحقيقي الى وجهة نظره. لا يا أعزائي لا تستسهلوا الحوار في معناه الاعمق فالحوار يتضمن في طياته لا السعي لتغيير موقف الآخر وحسب بل هو يتضمن ايضا قبولا مسبقا بإمكانية الآخر ان يحملك على تبديل مواقفك وعلى تغيير ارائك. لذا ليس الحوار استكانة انه مجازفة لكنها مجازفة نبيلة شجاعة في سبيل الخير العام الذي أقدر اننا نصبو جميعا اليه. 

اكرر الترحيب بكم واتطلع الى توافقكم واضع نفسي وزملائي بتصرفكم لنصل معا الى نص معدل لاتفاقكم السياسي يفتح كوة في جدار الانسداد. ويعطي قدرة زاهية على قدرة الليبيين على العمل معا في سبيل الصالح الاعم ويعيد بريق الأمل الى أبناء ليبيا وبناتها الذين يصبون وعن حق الى مستقبل واعد زاهر.

وشكراً.