إحاطة من الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا، السيد طارق متري - اجتماع مجلس الأمن، 16 سبتمبر 2013

17 سبتمبر 2013

إحاطة من الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا، السيد طارق متري - اجتماع مجلس الأمن، 16 سبتمبر 2013

سيدي الرئيس

١. استلمتم تقرير الأمين العام الذي يوفر المعلومات عن نشاط بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا خلال ستة اشهر ويقدم قراءة متزنة للتطورات السياسية والأمنية في ليبيا. ان تضافر العوامل المؤثرة الداخلية والإقليمية
يرخي بثقله على العملية السياسية و يزيد من صعوبة المهمة التي تتصدى لها السلطات الليبية ، أي المؤتمر الوطني العام والحكومة، فيما تسعى إلى ضمان التقدم بصورة سلمية عل طريق الإنتقال الديموقراطي.

٢. لقد شهدنا خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة خلافات سياسية أكثر حدة. واتخذت الكتلتان السياسيتان الرئيسيتان، لأسباب مختلفة، قرارين يعلقان مشاركتهما كتنظيمين سياسيين في أعمال المؤسسات السياسية الوطنية. ورغم أنه جرى التراجع جزئيا عن القرارين، فإنهما جاءا متأثرين بعدم ارتياح لدى فئات شعبية واسعة للأحزاب السياسية وعكسا استقطابا قويا في الحياة العامة

٣. و هناك أيضاً بعد إقليمي للتحولات السياسية في ليبيا. فكان للتطورات الأخيرة، لا سيما في مصر وتونس، مفعول على الساحة السياسية فظهرت مواقف مشوبة بالشدة فيما راجعت القوى المعنية نظرتها الى المشكلات التي تواجهها ليبيا و تعاملت مع المعطيات الإقليمية المستجدة.

سيدي الرئيس

٤. جرى في الأيام الأخيرة إخلال جسيم بحركة تصدير النفط نتيجة الإحتجاجات في عدد من المنشآت في شرق ليبيا مما ألحق الضرر بالإقتصاد الليبي هدد استقراره. ودفع ذلك المؤسسة الوطنية للنفط الى اعلان لا سابق له يعتبر الوضع الطارئ بمثابة "قوة قاهرة" يحول دون الإلتزام بموجبات العقود الموقعة. و كانت هذه الإحتجاجات متعلقة بالخلافات على حماية المنشآت و بدعوة البعض في الشرق الى الفدرالية.

٥. ففي بلد تبلغ العائدات النفطية حوالي الثمانين بالمئة من الدخل القومي وتشكل سبعة وتسعين بالمئة من الصادرات ، تواجه الحكومة خطر العجز عن تسديد متوجباتها المالية ما لم تحل الأزمة الحاضرة بسرعة.

سيدي الرئيس

٦. ما زال اقرار قانون العدالة الإنتقالية معلقا في المؤتمر الوطني العام . وان بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ترى أن إصدار القانون المذكور مسألة حيوية بالنسبة للتعامل مع مآسي الماضي وجرائمه وهو أمر بالغ الأهمية في تيسير عملية المصالحة الوطنية العسيرة.

٧. وما زالت حالة فئة من المعتقلين، من بين مجموعهم المقدر بثمانية آلاف، مشكلة لم تحل . ورغم أن وزارة العدل أشارت إلى انخفاض عدد الشكاوى، فإن استمرار التعذيب وسوء المعاملة يدعوان للقلق. غير ان بعثة الأمم المتحدة تسجل تحسنا ملحوظا في ظروف الإعتقال و المعاملة في المراكز الخاضعة فعلا لسلطة وزارة العدل وحيث يقوم رجال الشرطة القضائية المدربون بعملهم.

٨. و لقد استؤنف العمل القضائي فيما يخص محاكمة عدد من مسؤولي النظام السابق الكبار . فبعد إدانة وزير التربية السابق احمد إبراهيم والحكم عليه بالإعدام في ٣١ يوليه، يتوقع الشروع قريبا في محاكمة خمسة وثلاثين متهما ، بمن فيهم سيف الإسلام القذافي.

٩. وفي هذا الصدد، تؤكد بعثة الأمم المتحدة الحاجة إلى مقاربة منسجمة تضمن احترام المعايير القضائية المقبولة في المحاكمات المذكورة والى تجنب الإتهامات العشوائية والى السعي إلى جمع المعلومات والوثائق التاريخية التي تكشف بدقة عما حدث في عهد الحكم السابق . وان إجراء محاكمات عادلة في الشهور المقبلة سوف تضع المؤسسات القضائية على المحك. لكن الوضع الأمني في البلاد و استمرار الإعتداءات على القضاة والمحامين ودور العدل يرتب على السلطات مسؤوليات كبيرة.

سيدي الرئيس

١٠. لا يسعني إلا الإشارة بإرتياح إلى أن عملية صياغة الدستور شهدت بعض التقدم، رغم الصعوبات والشكوك . فقد اقر المؤتمر الوطني العام قانونا لإنتخاب الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور.

١١. وكانت بعثة الأمم المتحدة دعت إلى اعتماد تدابير خاصة لضمان تمثيل افضل للنساء في هيئة صياغة الدستور. غير أن القانون الذي اعتمد لحظ تمثيلا محدودا إذ خصص ستة مقاعد للنساء من اصل مجموع الأعضاء الستين وهي تشكل نسبة أقل من الستة عشر بالمئة التي كانت لهن في انتخابات المؤتمر الوطني العام في يوليه ٢٠١٢.

١٢. من جهتها، خصصت الأقليات بستة مقاعد. وقامت منظمات وشخصيات تنتمي إلى هذه المجموعات بالمطالبة الحثيثة أن لا تقر النصوص الدستورية المتعلقة بالحقوق اللغوية والثقافية بأكثرية الثلثين في هيئة صياغة الدستور ، حسب ما جاء في الإعلان الدستوري ، بل بالتوافق.

١٣. وتم تعيين المفوضية الوطنية العليا للإنتخابات التي باشرت العمل في التخطيط للإنتخابات واعدادها ، وذلك بالدعم الكامل في المجالات الفنية كافة من قبل فريق الإنتخابات المتخصص التابع لبعثة الأمم المتحدة .

سيدي الرئيس،

١٤. ما انفكت المشكلات الأمنية تطغى عل اهتمامات الشعب الليبي و تتسبب بالقلق لديه. وكانت طرابلس عرفت، بعد مداخلتي السابقة أمام مجلسكم، مواجهات مسلحة بين كتائب للثوار متنازعة . ونظرا لضعف إمكانات الدولة في حفظ الأمن وحماية المواطنين، كلف رئيس المؤتمر الوطني المنتخب حديثاً ، السيد نوري أبو سهمين، غرفة عمليات الثوار التي تضم كتائب متحالفة بمهمة ضبط الأمن في العاصمة.

١٥. و عرفت مناطق ليبية أخرى توترات بين قوى سياسية و قبلية ومسلحة ونشبت منازعات تسببت بوقوع عدد من القتلى والجرحى. و تواصلت الإغتيالات التي استهدفت مسؤولين أمنيين، خاصة في شرق ليبيا، ونشطاء سياسيين و صحافيين. و زرعت متفجرات وتعرض عدد من الدبلوماسيين للإعتداءات وتلقت الأمم المتحدة تهديدات وازداد عدد الجرائم . وظلت قضية امن الحدود حرجة وتنتظر المعالجة .

١٦. على صعيد آخر، لم يتحقق تقدم كاف في دمج الثوار في الجيش الليبي و لا في تأمين الشروط المهيئة لعودتهم إلى الحياة المدنية. إلا أن زيادة المرتبات للعسكريين ، بدءا من يناير ٢٠١٤، من شأنها أن تشجع انضمام الثوار إلى الجيش . وكذلك الأمر بالنسبة إلى تدريب ما بين اثني عشر وخمسة عشر ألفا من الجنود في الخارج. و لا بد من الإسراع في إعادة هيكلة الجيش و تحقيق التوازن المفقود الآن بفعل الأعداد الكبيرة للضباط الكبار قياسا بصغار الضباط والجنود. أما في الشرطة فإن تطويع عدد من الثوار يتواصل وقد حقق بعض النتائج.

١٧. أن التركيز على الوضع الأمني عل نحو مباشر و الخلافات القوية بين السياسيين و بين كتائب الثوار إعاقت بناء منظومة امن وطنية قوية ومنسقة وفعالة.

سيدي الرئيس

١٨. حين قدمت تقريري لمجلسكم في يونيه الماضي، ألمحت إلى الصعوبات الضخمة التي تعرفها ليبيا بعد أربعة عقود ونيف من الحكم الإستبدادي. وبعد شهر تحل الذكرى الثانية لسقوط النظام التسلطي. و يبدو لنا اليوم جليا أن الأفكار المسبقة عن الإنتقال السياسي تؤول إلى الخيبة ان لم تؤد الى الفشل . لعل الإنتخابات الحرة والنزيهة فتحت الطريق أمام العملية الديموقراطية لكنها رفعت توقعات لم يكن بمقدور القوى والمؤسسات السياسية أن تحققها. أن التجربة الليبية بينت الحاجة الملحة إلى حوار جامع لا يستثني أحدا و إلى توافقات حول الأولويات الوطنية خلال المرحلة الإنتقالية وحول التوجهات العامة ونظم الحكم و القواعد الأساسية للعمل السياسي.

١٩. هناك اليوم نوع من الشك.، وصولا إلى حد الرفض، حيال العملية السياسية. غير أن هذا لا يعني فقدان الإيمان بالوحدة الوطنية والديموقراطية وسيادة القانون. فإلتزام الليبيين بالمبادئ التي ناضلت ثورتهم من اجلها ظل عميقا.

سيدي الرئيس،

٢٠. وافقت السلطات الليبية، بعد مطالبة الإتجاهات السياسية والقوى الإجتماعية الحية كافة بالحوار الوطني، على الإعداد له و الدعوة اليه. ويعد الحوار ، في الظرف الحاضر، بإشراك الفعاليات السياسية و الإجتماعي والثورية والتقليدية والحديثة في التصدي للقضايا الوطنية الملحة والتوافق حول الأهداف والمبادئ الناظمة للحياة السياسية في المرحلة الإنتقالية وحتى إقرار الدستور وإجراء انتخابات عامة .

٢١. ولقد لمست في لقاءاتي مع رئاسة المؤتمر الوطني العام والحكومة قناعة مشتركة بأن الحوار الوطني الحق يسهم في إعلاء الصالح الوطني العام فوق النوازع والحسابات الفئوية والظرفية. و من شأن الحوار، لا سيما بوجود الخيبة من العملية السياسية ، أن يتيح فرصا للتعبير والمساهمة في الحياة العامة لمن هم في حالة انعزال او تباعد أو مواجهة. و من شأنه أيضاً أن يعزز القدرات الوطنية لمعالجة القضايا الملحة وحشد التأييد لجهود بناء الدولة، وبصورة خاصة في قطاعي الأمن والعدالة.

٢٢. لقد دعا ليبيون كثر بعثة الأمم المتحدة أن تؤدي دورا فاعلا في إطلاق الحوار الوطني وتيسيره. بطبيعة الحال لن نتقاعس في تحمل مسؤوليتنا فيما نتابع إصرارنا أن تكون العملية بمبادرة ليبية وبقيادة ليبية. ولقد أكدت للسلطات الليبية و سائر الشخصيات المهتمة وصناع الرأي أن الأمم المتحدة مستعدة بل ملتزمة تقديم المشورة والمساعدة التقنية لجهود الحوار مهما كانت الصيغة التي تختارها و على أمل إلا تتأخر.

شكرًا