الكلمة الافتتاحية للسيد ليون في اجتماع القادة والنشطاء السياسيين الليبيين في الجزائر، 3 يونيو 2015

3 يونيو 2015

الكلمة الافتتاحية للسيد ليون في اجتماع القادة والنشطاء السياسيين الليبيين في الجزائر، 3 يونيو 2015

الكلمة الافتتاحية للممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة برناردينو ليون في اجتماع القادة والنشطاء السياسيين الليبيين في الجزائر، 3 حزيران/يونيو 2015.

اجتماعنا اليوم يبدأ بين مرحلتيْن في غاية الأهمية. فمن جهة هناك الأشهر الطويلة الماضية التي شهدت اجتماعات لمناقشة مقترحات الحوار. وهذه مرحلة يجب أن تصل إلى نهاية بعد الجهود المضنية التي بذلها جميع الأعضاء المشاركين في هذا الاجتماع والمساهمات الهامة للغاية التي قدموها.

ولا يوجد سوى نهايتيْن محتملتيْن: إما تقديم اتفاق وإما الإقرار بعدم قدرة ليبيا على التوصل إلى هذا الاتفاق وضرورة الاستمرار بالحرب. غير أني في حقيقة الأمر، وبعد سماعي للرسالة الموجهة منكم ومن العديد من الليبيين الآخرين، لا أعتقد أن الاحتمال الثاني هو خيار ممكن، فعدم التوصل إلى اتفاق والاستمرار بالمواجهات ليس خياراً.

إذاً، الخيار الوحيد المتاح والبديل الحقيقي الوحيد لمستقبل البلاد هو الاتفاق. فهذه لحظة مواجهة الحقيقة. أما التاريخ المهم الآخر الذي يؤطر اجتماعنا اليوم فهو شهر رمضان. نحن على أعتاب شهر رمضان المبارك الذي يُعتبر شهر السلام وشهر المصالحة، فهو الشهر الذي تجتمع فيه الأسر للاحتفال سوية، وأنا أعتقد أن هذا ما يقال عن كل بلدان العالم، لكنه ينطبق بشكل خاص على الوضع في ليبيا.

الليبيون أسرة، وتعدادهم غير كبير. فالليبيون قليلو العدد غير أنه تجمعهم الكثير من الروابط القوية. ويمثل هذا الاجتماع الأسرة الليبية الكبيرة تمثيلاً جيداً للغاية. إننا على أبواب وقت السلام والمصالحة، حيث يتوقف إطلاق النار وتتوقف المواجهات، وحيث يجب أن يحل الحوار ولقاءات الأسر محل ما شهدناه خلال العام المنصرم. وأنا أعتقد أننا جميعاً متفقون أنه حان الوقت لإرسال رسالة قوية للغاية لنا جميعاً ولأولئك الموجودين في ليبيا وللمشاركين في المسارات الأخرى، أن الأوان قد آن لاتخاذ القرارات.

لقد وصلت البلاد حقاً إلى أقصى ما يمكن أن تصل إليه، لقد قلنا هذه الرسالة مراراً وتكراراً، غير أنها اليوم أكثر صدقاً من أي وقت مضى.

دعوني أبدأ بالوضع الاقتصادي. سوف لن يكون بمقدور مصرف ليبيا المركزي والإدارات الاستمرار بصرف الرواتب لفترة طويلة، ربما لشهر، ربما لشهر ونصف، لكن بعد ذلك سوف لن يكون بوسع الوضع المالي في البلاد الحفاظ على قدرة إدارات ليبيا على أداء أعمالها. وهذا ينطبق على جميع الجهات وعلى جميع المناطق وعلى جميع المدن في ليبيا. لقد انخفض مستوى إنتاج النفط، لكن حتى لو استعاد انتاج النفط مستوياته الطبيعية، فإن متوسط الإنتاج لن يكون بمقدوره إبقاء عجز الميزانية في مستوى يمكن ليبيا من الحفاظ على أموالها العامة.

أما بالنسبة للوضع السياسي، فلقد استمر الوضع بشكل مشابه بوجود المؤسسات المتنافسة والحكومات المتنافسة دون إحراز أي تقدم ودون الإشارة إلى قرار واضح بشأن التوصل إلى اتفاق، في الوقت الذي رأينا فيه الإرهاب ورأينا أهمية داعش تزداد أكثر فأكثر في البلاد.

فإذا لم يستوعب الأشخاص المشاركون بالمسارات المختلفة واجتماعات الحوار المختلفة هذه الرسالة بشكل واضح جداً، وإذا لم يستمروا بمحاولاتهم للحصول على المزيد من التنازلات من الطرف الآخر، وإذا لم يتم استيعاب أن ليبيا وصلت إلى الحد الأقصى الذي يمكن أن تصل إليه فإن النتيجة ستكون أن ليبيا ستصبح دولة فاشلة.

دعوني أسلط الضوء على الوضع الأمني. دعوني أسلط الضوء على التناقض الموجود. فالآن، اليوم يوجد أشخاص في الجانبيْن يحاربون داعش. هذا تناقض حقيقي يتطلب الكثير من التمعن لأنه يظهر بوضوح شديد أن أولئك الذين اتهموا فجر ليبيا بأنها منظمة إرهابية يرون اليوم كيف أن بعض أهم الميليشيات في فجر ليبيا هي التي تحارب داعش، وهؤلاء هم نفس الأشخاص الذي كانوا يدعون محاربتهم لوقت طويل. هذا يعني أنه ينبغي علينا جميعا أن نتفق على أن فجر ليبيا ليست منظمة إرهابية، بل هي منظمة يمكن أن تحمل نفس قيم العديد من الأشخاص في الجانب الآخر ويمكنها الانضمام لهذه الجهود للحفاظ على الوحدة الليبية والسيادة الليبية ومحاربة أمثال داعش الذين يهدفون إلى تدمير الدولة الليبية. غير أنه وفي نفس الوقت من المهم لفجر ليبيا أن تستوعب أنه إذا كان بالإمكان أن يكون لديهم هذا العدو المشترك الذي يهدف إلى تدمير الديمقراطية وتدمير هذه الدولة الحديثة التي يريد كل الليبيين بناءها فذلك يعني أن الرأي القائل بأن أولئك الموجودين في طبرق وغيرها من المناطق هم أشخاص من النظام السابق معادون للديمقراطية هو رأي خاطئ أيضاً. وهذا يعني أن هذه القيم المشتركة المتمثلة في بناء دولة حديثة وديمقراطية ليست حكراً على فجر ليبيا وغيرها من المنظمات بل يمكن أن تكون مشتركة بين كلا الجانبيْن.

هذان الرأيان، أي ذلك الذي يقول بأن طبرق تمثل النظام السابق والآخر القائل بأن فجر ليبيا تمثل المنظمات الإرهابية، قد تم دحضهما بشكل جلي اليوم. لم يعد هناك مجال لهذه الآراء. هناك مجال فقط لليبيا معتدلة تتفق على تشكيل حكومة وحدة وعلى الإطار الرئيسي والاتفاق اللذين من شأنهما إدامة هذه الحكومة. وأعتقد أن هذه الرسالة يجب أن تكون الرسالة الرئيسية التي يتعين إرسالها من هذا الاجتماع. فالليبيون يقولون لنا بشكل واضح للغاية أنه يكفيهم ما جرى لحد الآن وأنه قد آن الأوان لإبرام هذا الاتفاق. لا نريد الدخول في مزيد من المناقشات السياسية حول مسألة بسيطة هنا أو هناك، نريد من المفاوضين التفكير في كل ليبيا والتفكير بشكل خاص بالشعب الليبي الذي يعاني اليوم.

كثير من الليبيين يخبروننا أنه من غير المقبول في بلد غني يعد واحداً من أغنى البلدان في هذه المنطقة أن نرى في العديد من المدن أن الناس غير قادرين على الحصول على الغذاء أو الدواء، وأن الدول الشقيقة في المنطقة وفي المجتمع الدولي مضطرة لإرسال مساعدات دولية كما لو كانت ليبيا بلد فقير. أين تذهب أموال ليبيا؟ فالمبالغ الضئيلة من المال التي لا تزال بحوزة مصرف ليبيا المركزي والمؤسسات الليبية تذهب الى الأشخاص الذين يقتلون بعضهم البعض، والذين يقاتلون بعضهم البعض والذين هم في نفس الوقت يحاربون معاً هذا التهديد القادم من داعش. وهذا وذلك أكثر صعوبة على الفهم بالنسبة لعامة الليبيين.

إذاً لا يمكننا الحصول على الطعام ولا يمكننا الحصول على الأدوية فيما تستمر هذه الأموال في إدامة هذه الحرب في الوقت الذي، وكما قلت من قبل، تقوم فيه الجزائر، على سبيل المثال، ودول أخرى في المنطقة بإرسال المساعدات الإنسانية. من غير الممكن لهذا الوضع أن يستمر.

كما قلت من قبل، لقد عملنا لعدة أشهر. وتمخض هذا العمل عن مقترح من المفترض أنه يعكس هموم وتطلعات الجميع في ليبيا. وقد فهمنا جيداً أن هذا المقترح بحاجة إلى تعديل، حيث لا تزال هناك بعض المخاوف لدى بعض الجهات المشاركة في هذا الحوار. هناك حاجة لمزيد من الوضوح في الهيكل المؤسسي الذي يقترحه هذا الاتفاق.

هناك حاجة لنهج سياسي يقر على نحو أكبر بالمساهمات، ويقر بمشاركة جميع الجهات الفاعلة، ويقر بالجهود التي تُبذل للمشاركة والمساهمة في صنع هذا السلام الذي يحاول جميع الليبيين بناءه. كما ينبغي الإصرار على ضرورة أن تكون الدولة الحديثة المستقبلية والمؤسسات المستقبلية والجيش المستقبلي والإدارة المستقبلية شاملة للجميع، وأن يقوم جميع الليبيين بتأسيسها. وهذا ما فهمناه بشكل واضح جداً من هذا الاجتماع ومن جميع الليبيين المشاركين في الحوار. لذا نحن في الأمم المتحدة نرى أن بإمكاننا تحسين هذه المسودة، وبإمكاننا اقتراح مسودة جديدة تبقي على جميع العناصر الإيجابية التي تم تعزيزها والإقرار بها في المسودة الثالثة، وتعالج كذلك بعض هذه المخاوف لتصبح مقترحاً مقبولاً لدى الجميع.

ويمكننا أن نحاول خلال هذين اليومين هنا مناقشة كيفية تحسين المسودة وكيف يمكننا إرسال رسالة بأن هذه المسودة مقبولة بالنسبة لجميع الليبيين، وكيف يمكن الإبقاء على العناصر الإيجابية للمسودة الثالثة وتعديلها وإدراج عناصر أخرى من شأنها أن تجعل منها مقترحاً نهائياً.

وثمة رسالة هامة أخرى، الأمر لا يتعلق بتقديم مسودات. فالمسودة التي نحاول اقتراحها الآن يجب أن تكون المسودة النهائية. إذ لا يمكننا أن نستمر في تقديم مقترحات، للأسباب التي ذكرتها من قبل... بإمكاننا التوصل إلى الاتفاق المثالي ربما مع المسودة رقم 20، ولكن في حال انهيار البلاد اقتصادياً ومالياً، وفي حال قام داعش، الذي يسيطر الآن على جزء مهم من سرت، بمواصلة مهاجمة مدن أخرى والسيطرة عليها... وإذا استمرت المواجهات وإذا بدأ الليبيون الذين يعانون الآن من مشاكل إنسانية بمواجهة مشاكل أكثر خطورة، فما أهمية المسودة العشرين إذا لم يعد البلد موجوداً كدولة قادرة على أداء عملها؟

لذا، وحيث أنه ليس بوسع ليبيا الانتظار أكثر من ذلك، وحتى لو كانت المسودة الرابعة غير مثالية تماماً، وهي مسودة تعكس جهوداً حقيقية متوازنة ومنصفة، فيجب أن تكون هذه المسودة هي المسودة النهائية لأنها ربما تكون الفرصة الأخيرة لليبيا. لذا فهذه هي اللحظة الحاسمة لاتخاذ القرارات، واللحظة الحاسمة لصنع السلام والمصالحة بين جميع الليبيين، واللحظة الحاسمة للاتفاق على تشكيل حكومة وحدة تمثل جميع الليبيين.