حلقة نقاش بصيرة: للصحفيين دور محوري في العملية السياسية والتوعية وكشف الحقائق
طرابلس – اتفق المشاركون في حلقة نقاش عُقدت في 18 سبتمبر، بتيسير من بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، على أن للصحافة دورًا أساسيًا في العملية السياسية، بما في ذلك تثقيف الجمهور، وتوفير منبر للحوار البنّاء، وكشف الفساد، ومحاسبة القادة؛ فوفقًا لمحمود شمام، رئيس مجموعة الوسط الإعلامية: «الفشل الإعلامي هو جزء من فشل للمجتمع».
وقد شارك شمام، إلى جانب كل من إبراهيم هدية، المدير العام لوكالة الأنباء الليبية (وال)، وزينب تربح، الصحفية المستقلة وصاحبة مبادرة نحو الحل الإعلامية، في حلقة النقاش التي نُظمت عبر الإنترنت في إطار برنامج «بصيرة» للإعلاميين. أدار محمد الأسعدي، المتحدث باسم البعثة، الحوار الذي تناول أيضًا تحديات الحياد ومكافحة خطاب الكراهية والتضليل الإعلامي. وحضر الحلقة النقاشية تسعة وثلاثون عضوًا من الوسط الصحافي من جميع أنحاء ليبيا، بمن فيهم ممثلون عن أجواء ميديا، والمنظمة الليبية للإعلام المستقل، وراديو ليبيا إف إم.
وصف إبراهيم هدية دور الصحافة في العملية السياسية بأنه «جسر بين المواطن والسلطة»، مضيفًا: «الصحافي ليس مجرد ناقل للأخبار، إنما مرشد معرفي يُساعد الجمهور على فهم ما يجري». وأشار المشاركون إلى أن القوانين الانتخابية والنزاعات الدستورية تُعدّ من القضايا الرئيسة التي تعيق سير الانتخابات، إلا أن العديد من الليبيين لا يفهمونها. ومن بين الحضور، تساءل ياسين الحسوني: «ما هي الدولة المدنية؟ ما هو الناخب؟ ما هو الدستور؟ على مدى 42 عامًا، غابت هذه المفاهيم عن فهم الجمهور. ودور الإعلام هو تثقيف المواطنين وتوعيتهم».
وشملت النقاط الرئيسة التي ناقشها المشاركون مع الحضور ضرورة تعزيز أساليب البحث والحفاظ على الحياد في بيئة شديدة الاستقطاب، حيث قال شمام: «على الصحافي أن يقف بحزم حتى لا يصبح متبني لرواية سياسية بعينها»، مضيفًا أن «السياسة تدخل في كل شيء» من الوصول إلى الخدمات الأساسية، إلى المستشفيات، إلى المدارس، إلى الوظائف. فيما شدد هدية على أهمية التأكد من المعلومات: «الأمر يتطلب جهدًا مضاعفًا، وبأن تتواصل بمصدر، وثاني، وثالث».
وأيد منصور عاطف، أحد الحاضرين والمساهمين في الحوار، هذا الرأي، داعيًا إلى «مزيد من الأصوات التي تعمل على كشف الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان»، وقال عاطف: «لا توجد عملية سياسية بدون الصحافة كجزء لا يتجزأ منها. نعلم أن العملية السياسية في ليبيا شبه معدومة، لذا فإن من أهم المهام التي ينبغي أن تركز عليها الصحافة هي مراقبة السلطات ومحاسبتها».
مع ذلك، غالبًا ما لا تتوافق التغطية الإعلامية الليبية مع هذه المبادئ. وعبرت تربح، أن وسائل الإعلام أصبحت «منهمكة» بتغطية الروايات التي تصوغها مختلف الفصائل السياسية، وتُقدم هذه الروايات على أنها «أخبار». ثم يُستدعى محللون سياسيون –ممن لديهم أيضًا تحيزات سياسية – لمناقشتها، مما يؤدي إلى «عراك على الهواء»، مضيفةً: «لا يستفيد المواطن أي شيء من هذه الحلقة المفرغة اللي أصبحنا ندور فيها، وجعلتنا –نحن الإعلاميون – نهمل القضايا الملحة، مثل مسار تأسيس الدولة الليبية. نحن لا نصنع سرديات وطنية، بل نعيد تدويرها».
وأشار شمام أن جزءًا من المشكلة يكمن في الانقسام المجتمعي نفسه، مؤكدًا أن الصحافة ليست وحدها التي تعاني من الفشل، قائلاً: «انتهى الفن في ليبيا، وانتهت الرياضة. المدارس تنهار، والمجتمع المدني يعاني، والمؤسسات فاسدة. علينا أن نواجه أنفسنا ونقول: (لقد ارتكبنا الكثير من الأخطاء)، وإلا سيضيع أبناؤنا. إنها معركة اجتماعية قبل أن تكون معركة سياسية»؛ كما أشار إلى نقص التدريب المهني وفرص بناء القدرات للإعلاميين، وغياب مدونة سلوك وطنية. وقال: «لدينا صحفيون، لكن ليس لدينا صحافة»، مستعيدًا «العقود الأربعة المظلمة» التي سادت فيها رواية حكومية واحدة، مشيرًا إلى أنه لتعزيز المهنية الصحفية، يجب أن ننشئ جيلًا مدربًا تدريبًا جيدًا. يجب أن يتعلموا نظريًا وعمليًا، «لا يمكنهم التعلم بمجرد انخراطهم في العالم الحقيقي».
كما ناقش المشاركون والحضور عمل وسائل الإعلام تحت تهديد الاعتداءات الجسدية، والمضايقات الإلكترونية، وتقويض السمعة. فالقوانين لا تحمي الصحافيين؛ بل يمكن استخدام عشرات الأحكام في قانون العقوبات لمحاكمتهم، حيث شبه هدية حمل الكاميرا في الشارع –أو حتى التصوير بالهاتف المحمول– بحمل «بندقية AK-47 أو قاذفة آر بي جي»، وقال: «من الصعب للغاية الحصول على المعلومات في أوقات النزاع، ويمثل التحقق من مصداقية المعلومات تحديًا كبيرًا».
وتُموَّل وسائل الإعلام من جهات خارجية، أو أحزاب سياسية، أو جماعات مسلحة، وهو ما اتفق عليه المشاركون والحضور، مما يحد من مساحة حرية التعبير ويؤجج الانقسام. وقال شمام: «التجربة بحد ذاتها مروعة فمن يصمد ويتكلم بصدق وإخلاص هو مشروع شهيد. ليس كاتب أو مشروع مذيع –بل مشروع شهيد– إذا خالفت».
مع الجمهور، ناقش المشاركون سبل المضي قدمًا: من مراكز تدريب، وإطار قانوني لحماية الصحافيين، وتعزيز المبادرات الوطنية لتدقيق الحقائق، ومنح شهادات مهنية. واقترح أحد المشاركين إنشاء صندوق عام لدعم مشاريع وبرامج الإعلام المستقل دون سيطرة مباشرة عليها.
قال رضا فحيل البوم، أحد المشاركين: «لا بد من وضع معايير وضوابط مهنية للتصدي لخطاب الكراهية والتحريض والتضليل الإعلامي». وأضاف: «إذا سألت أي صحافي: ما هو التشهير؟ لن يعرف. الصحافة تكاد أن تكون المهنة الوحيدة بلا قانون». ولكن في النهاية، وكما أشارت تربح، «يستغرق الإصلاح سنوات»، وقالت: «نحن اليوم في حالة طوارئ». «أولوية ليبيا اليوم هي التوصل إلى حل توافقي للمضي قدمًا في العملية السياسية. لأن فشل المرحلة التالية يعني فشل الإعلام أيضًا. علينا أن نسأل أنفسنا: ما هو دورنا فيها؟».
«بصيرة» هو برنامج التطوير المهني المستمر الذي تقدمه البعثة للعاملين في مجال الإعلام الليبي، بمن فيهم الصحافيون وأساتذة وطلاب الإعلام ومدققو الحقائق. وقد طُوّر البرنامج لبناء قدرات القطاع على مكافحة انتشار المعلومات الخاطئة والمضللة. منذ إطلاقه في مايو 2025، تناول البرنامج مواضيع مختلفة من الذكاء الاصطناعي إلى سلامة الصحافيين والبحث الرقمي.
للانضمام إلى مجتمع بصيرة، يرجى ملء هذا النموذج: [رابط تسجيل]