كلمة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، غسان سلامة، أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة - 17 كانون الثاني/يناير 2018

17 يناير 2018

كلمة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، غسان سلامة، أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة - 17 كانون الثاني/يناير 2018

السيد الرئيس، أعضاء المجلس الموقرين،

أود أن أهنئ كازاخستان على رئاستها لمجلس الأمن هذا الشهر. وأود أيضا أن أشكركم على اتاحة هذه الفرصة لاطلاعكم على عمل الأمم المتحدة للتصدي للأزمة في ليبيا.

 

السيد الرئيس، أعضاء المجلس الموقرين

أود أن أعلمكم بأن البعثة أتمت اعداد الترتيبات اللازمة في المجمع السكني وتلك الخاصة بحماية الموظفين حتى يتسنى لنا مضاعفة عدد موظفينا للعمل والإقامة في العاصمة – ذلك بالطبع حسبما تسمح الظروف الامنية.

 ونقوم في ذات الوقت، بزيادة تواجدنا في كافة أنحاء البلاد، حيث نقوم بزيارة المجتمعات المحلية في كافة ارجاء ليبيا.

سنستمر في الأسابيع والأشهر القادمة، في زيارة المزيد من المدن والبلدات إذ أنه لا يمكننا النجاح في تنفيذ خطة العمل من أجل ليبيا وفي مساعدة الليبيين في استكمال العملية الانتقالية الطويلة، مالم نفهم البلاد جيداً.

 

السيد الرئيس،

صادف يوم 17 كانون الأول/ديسمبر 2017 الذكرى الثانية للاتفاق السياسي الليبي. وعلى الرغم من التباين الكبير في وجهات النظر بين الليبيين حول ما قد تعنيه هذه الذكرى، الا انهم اختاروا بالنهاية أن تمضي الذكرى دون اعمال عنف أو احتجاجات كبيرة.

إن مرور هذه الذكرى بسلام يعود الي حد كبير إلى وحدة هذا المجلس. لقد حوى البيان الرئاسي الصادر في 14 كانون الأول / ديسمبر رسالة واضحة. يقف المجتمع الدولي وراء هذا الاتفاق ولن يقبل بأية محاولات تسعى لتقويضه. وأكدت على ذلك ثلاث دول مجاورة اجتمع وزراء خارجيتها في تونس في 17 كانون الأول/ديسمبر 2017.

ينبغي ان تتم جميع الإجراءات بما يتماشى مع الاتفاق السياسي طوال أمد فترته سواء كان ذلك باعتماد التشريعات الانتخابية او التعيينات في المناصب السيادية مثل محافظ البنك المركزي، مما يعني بشكل عملي الانسجام بين مجلس النواب والمجلس الأعلى.

 

السيد الرئيس، أعضاء المجلس الموقرين،

يجب علينا أن نبقى متيقظين.  على الرغم من أن ذكرى 17 كانون الأول / ديسمبر قد مضت، فإن شبح العنف لا يزال قائما. والقوات العسكرية تستعرض قواها في أجزاء كثيرة من البلاد.

وعلى مقربة من الحدود مع تونس، وقعت اشتباكات بين قوات لمنطقتين متناحرتين. وما تزال المنطقة الواقعة على مقربة من طرابلس، منطقة ملتهبة. كما ازدادت حدة التوترات حول درنة.

والسبب الحقيقي لتقديمي هذه الإحاطة من تونس وليس من طرابلس، كما كنت مخططا، هو الاشتباكات الدموية في المطار والتي أدت الى توقف جميع الرحلات من وإلى مطار معيتيقة طوال الأسبوع.

ولا يزال المدنيون رجالا ونساء واطفالا يتعرضون للقتل أو الإصابة جراء تبادل إطلاق النار. وتتقاتل الجماعات المسلحة بشكل متهور في المناطق السكنية، غير عابئين بسلامة المدنيين.

 إن حظر تصدير الأسلحة ذو أهمية كبرى الان أكثر من أي وقت مضى. ولهذا السبب، فإن التقارير الأخيرة بشأن شحنة المتفجرات الكبيرة التي اعترضها خفر السواحل اليوناني هو امر مقلق على وجه الخصوص.  فبلد يمتلك 20 مليون قطعة سلاح لا يحتاج إلى قطعة سلاح اضافية. لقد التقيت فريق الخبراء اليوم، وهم ينظرون في هذا الامر بالمهنية المعهودة التي تعرفونها عنهم.

 لقد لعبت جهود بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا دورا أساسيا في الهدوء النسبي الذي شهدته ليبيا في الأشهر الماضية. ينبغي ان تتواصل هذه الجهود التي ترمي الى الحؤول دون نشوب الصراعات إذا أردنا ان يبقى هناك امل في العملية السياسية.

 

سيدي الرئيس،

ان هذا الوضع الهش والمتقلب الراهن لا يمكن أن يستمر.

تحتاج ليبيا إلى حكومة كفؤة وفعالة. حكومة بوسعها تقديم الخدمات العامة التي يحتاجها المواطنون بشدة. حكومة قادرة على توحيد مؤسسات البلاد وتشرف على سير الانتخابات التي تنهي عملية الانتقال.

إن تعديل الاتفاق السياسي الليبي، من وجهة نظرنا، أنسب الوسائل لتحقيق ذلك، ولم نالوا جهدا في الدفع في هذا الاتجاه.

ويشجعني الجهود التي يبذلها أعضاء مجلس النواب ومجلس الدولة لتحقيق هذا الهدف من خلال مبادرات عديدة للتوصل إلى التوافق اللازم من أجل هذه الغاية.

ولقد أفضى عمل لجنة الصياغة المشتركة إلى تبلور توافق في الآراء بشأن التعديلات الملحة لتشكيل السلطة التنفيذية.

وعلى الرغم من أنه لم يتم بعد التوصل إلى اتفاق رسمي، فإن توافق الآراء أمر مرغوب فيه ويمكن الوصول إليه.

 

السيد الرئيس،

وتماشيا مع خطة العمل من أجل ليبيا، فإن ثلاثة أهداف تشكل محور تركيز عملنا.

أولا، الدستور.
ليبيا بحاجة الى إطار قانوني قوي ودائم. ولا يمكن الانتهاء من المرحلة الانتقالية قبل أن تستند ليبيا على دستور حقيقي.

وتجري حاليا مراجعة قضائية لمشروع الدستور الذي قدمته الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور. واحتراماً منا القضاء الليبي سوف ننتظر قرار المحاكم وأتوقع أن يتم ذلك قريباً. في الواقع في غضون عشرة أيام من الآن.

وعند التوصل إلى قرار، سنحدد كيف يمكننا دعم هذه العملية على أفضل وجه.

 

ثانيا، المصالحة الوطنية.
إن نسيج المجتمع الليبي ممزق، ويتطلب مصالحة حقيقية إذا ما أُريد اصلاحه.

لا يمكن إحراز تقدم ملموس في توحيد المؤسسات، أو منع اندلاع العنف أو تحقيق قبول واسع النطاق لنتائج الانتخابات، ما لم يتم إعادة بناء النسيج الوطني.

إن إعادة بناء النسيج الوطني الليبي يتطلب بذل جهدين متوازيين.

أولا، نجحت الأمم المتحدة في تيسير العديد من مبادرات الحوار بين مجتمعات محلية كانت متصارعة سابقاً.

وقد اعتمدت اتفاقات واتخذت خطوات حقيقية لمعالجة ما مضى.

وقد أظهرت المجتمعات التي كانت على خلاف استعدادها لبناء مستقبل مشترك.

وقد بدأت حكومة الوفاق الوطني مؤخرا بلعب دورها في هذه الجهود. وقد تجلى ذلك من خلال دعمها لاتفاق مصراته-تاورغاء وتوفير التمويل. وسنقوم أيضا بدورنا في هذا الشأن وبالتحديد لضمان عودة آمنة.

ويتكون مسارنا الآخر لإعادة بناء الدولة من الوصول إلى الجهات الفاعلة الرئيسية والمجموعات التي كانت مهمشة سابقاً. ويجري ضمهم تدريجيا إلى العملية السياسية، كشركاء متساوين ومقبولين، ما داموا ملتزمين بالعملية السياسية.

ومن خلال اللقاءات، والزيارات المكوكية، وجميع الأدوات الأخرى المتاحة لنا، نعمل بشكل مكثف على إزالة الحواجز بين الفصائل السياسية الليبية ومعالجة العداوات المحلية أو السياسية الماضية، وبالتالي التحرك نحو المؤتمر الوطني الذي سيوفر مساحة لليبيين من جميع الجهات للالتقاء واعتماد رؤية مشتركة لليبيا.

 

أما التركيز الثالث لعملنا هو الانتخابات.

في 6 كانون الأول/ديسمبر 2017، أطلقت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عملية لتحديث سجل الناخبين وقد سررت بالاهتمام الكبير من الرجال والنساء الليبيين للتسجيل. وقد فاقت المشاركة كل توقعاتنا.

وقد سجل ستمائة ألف (600.000) ليبي جديد للتصويت في خلال ستة أسابيع. وبلغ عدد الأشخاص المسجلين في السجل الانتخابي إلى الآن مليوني شخص، والعدد في ازدياد.

وقد استطاعت الأمم المتحدة من تقديم الدعم الفني المكثف للمفوضية في عملية تسجيل الناخبين، وستواصل تقديم المساعدة في الترتيبات المتعلقة بالخطوات المقبلة.

ومع ذلك، وقبل إجراء انتخابات ذات مصداقية، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به.

ينبغي الاتفاق على إطار دستوري، وأن تكون الظروف الأمنية مواتية لعملية حرة ونزيهة مع وجود ثقة بان نتائج الانتخابات سوف تكون مقبولة من الجميع.

ومن أجل أي استفتاء أو انتخابات رئاسية أو برلمانية، هناك حاجة إلى قوانين. وهناك التزام على المؤسسات ذات الصلة في ليبيا بإصدار التشريعات المطلوبة، وأن تفعل ذلك بطريقة تتفق مع الاتفاق السياسي الليبي.

وأحث هذه المؤسسات على تجنب التشكيك المتبادل واتخاذ إجراءات أحادية الجانب، ووضع مصلحة الشعب الليبي فوق كل الاعتبارات الأخرى.


السيد الرئيس،

أود أن أشكر وزراء خارجية الجزائر ومصر وتونس على تخصيص الوقت للقاء معي، وعلى دعمهم القوي لخطة العمل من أجل ليبيا.

كما أعرب عن امتناني للمملكة المغربية لاستقبالها لي ودعمها المتواصل لعمل الأمم المتحدة في ليبيا.

وقد كان لي الشرف أيضا أن اجتمع مع الأمين العام لجامعة الدول العربية وأقدر دعمه كثيراً.

هذا الشهر، سافرت إلى دولتين مجاورتين لليبيا من الجنوب، حيث كان لي شرف لقاء الرئيس مامادو إيسوفو في النيجر والرئيس إدريس ديبي في تشاد، وهما دولتان تأثرتا بشكل كبير بما يحدث من تطورات على الساحة الليبية.

وتحظى علاقتنا مع الاتحاد الأفريقي بأهمية قصوى بالنسبة لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. لقد عدت هذا الأسبوع من أديس أبابا حيث التقيت بمفوضية الاتحاد الأفريقي لمناقشة ترسيخ تعاوننا لدعم ليبيا. وكان لي الشرف أن أجتمع مرتان في هذا الشهر مع السيد موسى فكي رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، ولدينا وجهات نظر مشتركة بشأن المضي قدما.

 

السيد الرئيس،

اقترنت الأزمة السياسية في ليبيا بأزمة أخرى موازية على الصعيد الإنساني، ولا يمكن لهذا الوضع أن يتغير أو أن يوضع حد للمعاناة إلا على يد حكومة قوية وقادرة. بيد أن من يعانون لا يستطيعون الانتظار. وعليه، ستشرع الأمم المتحدة اعتباراً من الأسبوع المقبل بإطلاق خطة للاستجابة الإنسانية وخصوصاً في المناطق التي تمر بظروف صعبة والتشديد بالدرجة الأولى على توفير الأمور الملحة كالخدمات الأساسية وتوفير المأوى والطعام، وكذلك إزالة الألغام.

ولعل صندوق تحقيق الاستقرار في ليبيا هو أحد الطرق المهمة الكفيلة بمد العون للمجتمعات المحلية. وقد لمس الشعب الليبي هذه الإجراءات الملموسة على نطاق واسع.

وأود أن أتوجه بالشكر للمانحين على مساهماتهم في هذين التمويلين، وأرجو من حكومة الوفاق الوطني أن تضطلع بدورها في هذا الخصوص.

 

السيد الرئيس،

هناك حالة إنسانية تدعو للقلق الشديد وهي الوضع المأسوي الذي يعاني منه العديد من المهاجرين في ليبيا. وقد رأيت ذلك بأم عيني في الشهر المنصرم حين تفقدت أحد مراكز الاحتجاز في مدينة غريان.

ولدينا دلائل تفيد بتعرض المهاجرين لانتهاكات صارخة داخل وخارج مراكز الاحتجاز الرسمية بما في ذلك أشكال مختلفة من الاعتداءات الجنسية.

وبدورنا نناشد السلطات لوضع حد لهذه الجرائم المقيتة وتقديم الجناة للعدالة. وهنا أطالب الحكومة بضمان سلامة العاملين في قطاع الإغاثة الإنسانية أثناء تأديتهم لعملهم، نظراً لحصول عدد كبير من الحوادث الخطرة ضدهم.

وأحيي أيضاً التعاون الوثيق بين الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة. وكما تعلمون، تشكل فريق عمل يضم المنظمات الثلاثة المذكورة وقد قطع أشواطاً في عمله الرامي لتأمين العودة الطوعية للمهاجرين. ولن تتوانى بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن دعم هذه الجهود كونها رئيساً مشاركاً في هذا الفريق من الأراضي التونسية.

إلا أن التركيز على المهاجرين يجب ألا ينسينا الأعداد الكبيرة من الليبيين المعتقلين من دون إجراءات قانونية وغالباً ما يتعرضون لسوء المعاملة. إن الإخفاق في وضع حد للانتهاكات التي ترتكب في المعتقلات يؤجج الصراعات المحلية، ويقوض المصالحة الوطنية والجهود الرامية إلى بناء دولة قائمة على سيادة القانون.

 

السيد الرئيس،

التغيير طال انتظاره. وأكثر ما يقلقنا وجود اجندات فردية للنهب والتي تستمر في الهيمنة مستفيدة من تردي الوضع في البلاد على حساب المصلحة العامة.

ولا يمكن لأي حل سياسي أن يستمر ما لم يوضع حد للاقتصاد الاستغلالي السائد في المشهد الليبي في السنوات القليلة السابقة. وقد أهدرت الموارد والأموال العامة على أغراض مختلفة باستثناء خدمة المواطن الليبي.

والاقتتال على الموارد هو السبب الأساسي للأزمة في ليبيا. وستبذل البعثة قصارى جهودها للحث على توجيه الموارد الوطنية لتقديم الخدمات العامة للمواطنين وليس لمصالح خاصة.

فالأمر لا يحتمل التأخير، في ظل شح في الوقود وانقطاع التيار الكهربائي ومياه الشرب التي أصبحت من الظواهر المنتشرة في عموم البلاد. وإنها لسخرية مؤلمة أن يكون هناك نقص في بلد يمتلك كل هذه الموارد.

وهنا أشدد على مسؤوليتنا جميعاً تجاه كفالة الإدارة الرشيدة للأرصدة المتبقية من الأموال الليبية المجمدة لضمان مستقبل البلاد. ولا بد من بذل جهود حثيثة لتحقيق ذلك.

 

السيد الرئيس،

كما تعلمون، قام وكيل الأمين العام للشؤون السياسية السيد جفري فلتمان بزيارة إلى ليبيا في 9 – 12 كانون الثاني/يناير. وقد جاءت هذه الزيارة في التوقيت المناسب، وحظيت بترحيب كبير. وشكلت فرصة لتعزيز الرسائل الموجهة للقادة السياسيين والعسكريين في ليبيا بأن الوقت قد حان لتقديم تنازلات من أجل مصلحة الشعب الليبي. وبالنيابة عن الأمين العام للأمم المتحدة، دعا السيد فلتمان أطراف الحوار الليبي إلى التعاون فيما بينهم لتنفيذ خطة العمل لتهيئة الظروف الكفيلة بإنهاء المرحلة الانتقالية التي تشهدها البلاد.

 

السيد الرئيس،

أكرر شكري للمجلس على التزامه الثابت بدعم خطة العمل من أجل ليبيا وكذلك لمساعينا الرامية لإنهاء الأزمة في ليبيا.

وشكراً